منتدي القديس مارمينا

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي القديس مارمينا يرحب بكم ويتمني قضاء وقت سعيد معانا


    موضوع بعنوان يارب لماذا ؟

    avatar
    merola


    عدد المساهمات : 45
    تاريخ التسجيل : 03/12/2009

    موضوع بعنوان يارب لماذا ؟ Empty موضوع بعنوان يارب لماذا ؟

    مُساهمة من طرف merola الأحد ديسمبر 06, 2009 5:23 pm

    المزمور الثالث[ صلاة باكر ]




    هذا المزمور هو مزمور عتاب مع الله ، كما في قوله: { يا رب لماذا ؟ } . وهو مزمور شكوى ، كما في قوله : { كثر الذين يحزنونني . كثيرون يقولون لنفسي : ليس له خلاص بإله } وهو أيضاً مزمور استغاثة كقوله { قم يا رب خلصني يا ألهي } . وهو كذلك إيمان حيث يقول : { لا أخاف من ربوات الجموع المحيطين بي } . وهو يتحدث في صلاته عن خبراته الروحية فيقول
    { بصوتي إلي الرب صرخت ، فاستجاب لي من جبل قدسه } . والمزمور أيضاً فيه ثقة واتكال على الله ، إذ يقول { للرب الخلاص وعلى شعبه بركته } . ويسترجع مع الرب ذكرياته فيقول : { ضربت كل من يعادينني باطلاً . أسنان الخطاة سحقتها } . ومع أنه يبدأ بالشكوى والعتاب والاستغاثة إلا أنه ينتهي بالتهليل ( هللويا ) إذ يتذكر أعمال الله معه .
    ويصلح هذا المزمور لكل من هو في ضيقة من أعدائه ، ولكل من هو مضغوط من حروبه الروحية .
    وهو أيضاً نبوءة عن السيد المسيح في الأمه وموته وقيامته …
    وسنتناوله الآن أية أية في تطبيقه الروحي على النفس البشرية .
    أنه يبدأ فيقول :





    أنه عتاب مع الله … لماذا يا رب ؟ لماذا يحدث لي كل هذا ؟ ! كيف يحدث هذا وأنت موجود ؟!
    كثير من الناس إن قلت لهم لماذا يحدث لي منكم هذا ؟ يغضبون ويتضايقون . ولكن الله نقول له لماذا ؟ فيتسع صدره لكل ما نقول ….
    داود النبي ، كثر الذين يحزنونه ، فلم يعاتبهم . وإنما عاتب الله نفسه …
    لماذا يا رب أجد هذا الحزن ؟ لماذا كثر الذين يحزنونني ؟ أليسوا جميعهم في قبضة يديك ؟ ألست أنت ضابط الكل ؟ لماذا تسمح بكل هذا ، وأنا في رعايتك وفي حمايتك ؟ !




    ما أكثر عتاب داود مع الله . ! لعلها إحدى الميزات التي تتميز بها المزامير ….
    انظروا مثلاً الدالة التي يتكلم بها في المزمور العاشر ، فيقول للرب معاتباً :
    }يا رب لماذا تقف بعيداً ؟ ! لماذا تختفي في أزمنة الضيق ؟ ! { ( مز 10 : 1 )
    ربما لو قلنا هذه العبارة لأحد أصدقائنا من البشر ، لا يحتملها … ! ولكن الله يقبل هذا الكلام …. وعبده داود عنده الجرأة أن يقول { يا رب لماذا ؟ } .
    ويكمل داود عتابه فيقول : { في كبرياء الشرير ، يحترق المسكين… والخاطف يجدف ، يهين الرب … كل أفكاره أنه لا إله . ويتابع داود عتابه فيقول { قم يا رب يا الله ارفع يدك . لا تنس المساكين ..}
    لماذا يا رب تختفي وقت الضيق ؟ قم . اعمل خلص رعيتك . لماذا يقولون لا إله ! أو لماذا يقولون :
    { ليس له خلاص بإله } ؟ ! { تأوه الودعاء . قد سمعت يا رب } ( مز 10 : 17 ) .
    إنه إنسان يكلم الله بصراحة ، ويعاتبه ..
    لماذا نبحث عنك في وقت الضيق ، فلا نجدك ؟! وكأنك تقف بعيداً ، وكأننا لسنا من أولادك ، والله يقبل كل هذا الكلام … على الرغم من أنه يعمل ، ولكننا نحن الذين لا نبصر عمله …
    ويعود داود ليقول { يا رب لماذا ؟ } في ( المزمور 44 )، حيث يصف متاعبه ، ويعاتب الرب قائلاً : { قد رفضتنا وأخجلتنا } إلي أن يقول للرب في نفس المزمور ( مز 44 : 12 ) :
    } بعت شعبك بغير مال ، وما ربحت بثمنهم { .
    { اليوم كله خجلي أمامي ، وخزى وجهي قد غطاني ، ومن صوت المعير والشاتم ، من وجه عدو منتقم } . ويختم داود عتابه بقوله :
    } استيقظ . لماذا يا رب تتغافى ؟ أنتبه .. لماذا تحجب وجهك وتنسى مذلتنا وضيقتنا .. {
    ( مز 44 : 23 ، 24 )
    أن داود يفتح فلبه لله ، ويشرح مشاعره كما هي . لا يتصنع كلاماً …
    إن شكر يشكر من عمق قلبه وهو مبتهج . أما إن كان متضايقاً ، فإنه يعاتب .. وفي ل ذلك لا يغضب الله من صراحته ولا من عتابه . بل أن السيد المسيح له المجد يقول عن مزامير داود :
    قال داود بالروح ( مت 22 : 43 ) .
    عتاب داود لله يدل على آمرين : محبة الله وسعة صدره من جهة ، وجرأة داود وصراحته ودالته من جهة أخرى ..
    ويعود داود في ( المزمور 74 ) فيقول للرب : ( لماذا ؟ ) مرة أخرى { لماذا رفضتنا يا الله إلي الأبد ؟ لماذا يدخن غضبك على غنم مرعاك ؟ .. حتى متى يا الله يعير المقاوم ، ويهين العدو أسمك إلي الغاية ؟ لماذا ترد يدك ويمينك ؟ ! } ( مز 74 : 1 ، 10 )
    ثم يقول :
    } لا تسلم للوحوش نفس يمامتك { ( مز 74 : 19 )
    ثم يختم عتابه بقوله : { قم يا الله . أقم دعواك . أذكر تعيير الجاهل إياك اليوم كله .. } إنه يعتبر تعبيرات الجاهل تعبيرات لله نفسه . لأنه لو كان الله قد قام وأنقذ ، ما كان العدو الجاهل يفعل هذا كله ...
    وفي ( المزمور 79 ) يقول داود للرب معاتباً : { اللهم أن الأمم قد دخلوا ميراثك ، نجسوا هيكل قدسك } ( مز 79 : 1 ) ... . { إلي متى يا رب تغضب كل الغضب ، وتتقد كالنار غيرتك ... لا تذكر علينا ذنوب الأولين } إلي أن يقول للرب :
    } لماذا يقول الأمم أين هو إلههم { ( مز 79 : 10 ) .
    وهنا لا يعاتب الرب فقط على تعديات الأمم وتعبيراتهم ، إنما يعاتبه أيضاً على غضبه
    لولا أنك يا رب غضبت علينا وتركتنا ، ما كان الأمم يفعلون بنا كل هذا ... إذن لماذا يا رب تغضب ، فلماذا يستمر غضبك { أعنا يا الله وخلصنا من أجل أسمك نحن شعبك وغنم رعايتك } ( مز 79 : 9 ، 13 ) ...
    ونفس العتاب ، ونفس كلمة لماذا ؟ يتكرر في ( مزمور 80 ) وفي ( مزمور 88 ) حيث يقول داود : { يا رب الجنود ، إلي متى تدخن على صلاة شعبك ؟ } إلي أن يقول معاتباً :
    } قد أطعمتهم خبز الدموع ، وسقيتهم الدموع بالكيل {
    جعلتنا نزاعاً عند جيراننا ، وأعداؤنا يستهزئون ( مز 80 : 4 -6) . ويختم العتاب في هذا المزمور بقوله : { أرجع . اطلع من السماء ... أنر بوجهك علينا فنخلص }
    6- ويقول داود معاتباً الرب في ( المزمور 88 ) .
    } لماذا يا رب ترفض نفسي ؟ لماذا تحجب وجهك عني { ( مز 88 : 14 )
    هذا المزمور بالذات مملوء بالعتاب ، حيث يقول للرب : { على استقر غضبك . وبكل تياراتك أذللتني }
    ( مز 88 : 7 ) { أبعدت عني معافى ... عيني ذابت من الذل . دعوتك يا رب كل يوم بسطت إليك يدى . أفلعلك للأموات تصنع عجائب ... لماذا يا رب ترفض ... }
    ما أكثر العتاب في مزامير داود . لسنا نستطيع أن نحصيه في هذا المجال . لكننا نود أن نحتم اقتباسنا من داود بقوله في ( المزمور 89 ) :
    } حتى متى يا رب تختبئ كل الاختباء ؟ ! حتى متى يتقد كالنار غضبك ؟ .. أين مراحمك الأولى .. ؟
    ( مز89 :46، 47 ) .
    إنه يذكرنا أيضاً بما قاله في المزمور التسعين : { ارجع يا رب حتي متي ؟ 000 فرحنا كالأيام التي فيها أذللتنا ، كالسنين التي رأينا فيها شرا } ( مز 90 : 13 ، 15 ) .
    هذا العتاب ، و هذه الصراحة ، و عبارة (( يا رب لماذا ؟ )) 000 ليس هذا كله موجودا في مزامير داود فقط ، إنما نجد هذا الأسلوب في أسفار أخري في الكتاب المقدس ، وعند أنبياء و قدس كثيرين 000




    انظروا إلى ارميا النبي يعاتب الرب ، ويقول له أيضا : لماذا 000 وذلك في قولة { أبر أنت يا رب من أن أخاصمك . و لكني أكلمك من جهة أحكامك : لماذا تنجح طريق الأشرار . اطمأن كل الغادرين غدرا } ( إر 12 : 1 )
    إني أعجب من التراب و الرماد ، حينما يناقش الله في أحكامه ، ويقول له لماذا ؟ ! حقا إن القديس بولس الرسول يقول: { يا لعمق غني الله و حكمته وعلمه 0 ما أبعد أحكامه عن الفحص ، وطرقه عن الاستقصاء لانة من عرف فكر الرب ، أو من صار له مشيرا ؟ ! } ( رو 11 : 33 ، 34 ) .
    ولكن ارميا النبي يقول هنا للرب : أكلمك من جهة أحكامك : لماذا ..؟
    إنه شئ يا رب لم استطع أن أفهمه . شئ غريب أنك تترك الأشرار هكذا ينجحون { غرستهم فأصلوا . نموا وأثمروا ثمراً } { حتى متى تنوح الأرض ، وييبس عشب كل الحقل من شر الساكنين فيها ؟ !} ( أر12 :2،4)
    لماذا يا رب يحدث هذا ؟ لماذا ينجح الأشرار ؟ أين عدلك ؟ أين محبتك للصلاح ؟!
    أعطيني حلاً . أعطيني تفسيراً . أشرح لي أحكامك . { فهمني حقوقك . عرفني طرقك . أكشف عن عيني فأرى 000 } ( مز 119) . أريد أن أفهم ، على قدر ما يستطيع عقلي أن يفهم ، لماذا تنجح طريق الأشرار ؟!
    والرب يقبل هذا العتاب في هدوء . ويشرحه في موضع أخر : الأشرار كالدخان الذي يرتفع إلي فوق ، وفيما يرتفع يضمحل ويتبدد ، وتنظر إليه فلا تجده : { بعد قليل لا يكون الشرير . تتطلع إلي مكانه فلا يكون 000لأن الأشرار يهلكون .. فنوا ، كالدخان فنوا } ( مز 37 : 10 ، 20 )
    الله غير المحدود غير المدرك ، يفتح صدره ، ويتفاهم مع أولاده ، حينما يقولون : لماذا ؟
    2- نفس عبارة لماذا ، قالتها عذراء النشيد :
    أنها تعاتب الرب الذي تحبه بقولها { أخبرني يا من تحبه نفسي أين ترعي .. لماذا أنا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك } ( نش 1 : 7 ) . والرب لا يتضايق من عتابها بل يقول لها : { أن لم تعرفي .. فأخرجي على أثار الغنم } .. تتبعي خطوات القديسين ..
    3- مثال أخر ، مفتوح القلب جداً في العتاب مع الله ذلك هو أيوب الصديق ..
    أنه يعاتب الرب في جرأة عجيبة ، ويستخدم أيضاً عبارة { لماذا ؟} فيقول له: { أشكو بمرارة نفسي . أبحر أنا أم تنين ، حتى جعلت على حارساً ؟ } { كف عني } ( أى 7 : 11 ، 12 ، 16 ) أى إنسان منا ، لو قال عبارة { كف عني } لصديق له ربما ما كان يحتملها منه ولكن أيوب الصديق يقولها لله نفسه ، ويتابع عتابه قائلاً : لآ حتى متى لا تلتفت عنى ولا ترخيني ، ريثما أبلع ريقي } ( أى 7 : 19 ) . ثم يقولها بعدها :
    } أخطأت ؟ ماذا أفعل لك يا رقيب الناس {
    { لماذا جعلتني عاثوراً لنفسك ، حتى أكون على نفسي حملاً ؟ ولماذا لا تغفر ذنبي ولا تزيل أثمي ؟ } ( أى 7 : 20 ، 21 ) .
    من يستطيع أن يقول كلاماً مثل هذا لأحد من الناس ؟‍ ولكن أيوب في عتابه مع الله يقول له أكثر من هذا بكثير ؟ انه يقول له
    } لا تستذنبني . فهمني لماذا تخاصمني ؟ { ( أى 10 : 2 )
    { أخاف من كل أوجاعي ، عالماً أنك لا تبرئني . أنا مستذنب ، فلماذا أتعب عبثاً . لو اغتسلت بالثلج ، ونظفت يدي بالأشنان ، فأنك في النقع تغمسني ، حتى تكرهني ثيابي } ( أى 9 : 28 – 30 )
    أتظنوا أن الله غضب من هذا العتاب ؟ كلا .
    بل أن الله في أخر السفر ، حينما وبخ أصحاب أيوب الثلاثة الذين كانوا يثيرون نفسه المرة بالاتهامات الباطلة ، قال لهم : { لم تقولوا في الثواب كعبدي أيوب } ( أى 42 : 7 )



    صدقوني لو لم تكن في هذا المزمور الثالث سوى عبارة } يا رب لماذا { لكانت كافية ، كعبارة معزية لنا ، تعلمنا العتاب مع الله ..
    انظروا كيف أن أيوب الصديق يقول : { أبعد يديك عني ولا تدع هيبتك ترعبني .. أتكلم فتجاوبني .. اعلمني ذنبي وخطيتي لماذا تحجب وجهك ، وتحسبني عدواً لك ؟ أترعب ورقة مندفعة ، وتطارد قشاً يابساً ؟! }
    ( أى 13 : 21 ـ 25 )
    وألهنا الطيب لا يتضايق من عتاب أيوب .
    ولا يعتبر المناقشة معه إقلاقاً لكرامته . كلا ، بل أن الله يحب أن نتكلم معه ونناقشه ، ويفرح بهذا ويسر ، لأن هذا العتاب دليل المحبة والدالة .
    وأحياناً يفتح الله مجالاً للعتاب :
    مثلما فعل مع أبينا إبراهيم ، حينما فتح معه موضوع إهلاك سادوم ، وقال له إبراهيم : { أفتهلك البار مع الأثيم ؟! .. حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر .. حاشا لك أديان الأرض كلها لا يصنع عدلاً ؟‍ } ( تك 18 : 23 ـ 25 )
    وفعل هذا أيضاً مع موسى النبي ، حينما غضب الرب على الشعب لعبادتهم العجل الذهبي فقرر إهلاكهم . وكلم موسى في الأمر فعاتبه موسى بنفس العبارة : { يا رب لماذا ؟ } وقال له { لماذا يحمي غضبك على شعبك الذي أخرجته من مصر بقوة عظيمة ؟ .. لماذا يتكلم المصريون قائلين أخرجهم بخبث ليقتلهم في الجبال .. ارجع عن حمو غضبك وأندم على الشر بشعبك } ( خر 32 : 11 ، 12 )
    القديسون يناقشون الله . ولكن هوذا أمر أخر :
    الله يدعو إلي هذا النقاش ويقول نتحاجج ـ يقول الرب :
    } إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج {.. (إش18:1)
    إن الذين يهربون من وجه الله خائفين ، واضح أنه ليس فيهم الحب ولا الدالة . لقد هرب أدم من وجه الله وأختبأ خائفاً ، ولكن الله دعاه ليسأله ويكلمه . وهرب يونان من وجه الله ، ولكن الله دعاه وكلمه وعاتبه . وشرح المر وأقنعه ( يو 4 ) .
    لا مانع إذن من أن نقول لله } يا رب لماذا ؟{ مثلما قال داود في المزمور الثالث .



    في الحقيقة يا أخوتي أن داود النبي ، حينما قال هذا المزمور كان يجتاز مأساة نفسية وعائلية ، بل أيضاً تجربة تهدد ملكه ، وربما تهدد حياته أيضاً ..
    قاله وهو هارب من أبنه أبشالوم ، الذي تمرد عليه ، وأراد الاستيلاء على المملكة ..
    والكتاب يشرح هذه القصة في عبارات مؤثرة قال فيها الوحي الإلهي { وأما داود فصعد في مصعد جبل الزيتون . كما يصعد باكياً ، ورأسه مغطى ، ويمشى حافياً وجميع الشعب الذين معه ، غطوا كل واحد رأسه ، وكانوا يصعدون وهم يبكون } ( 2صم 15 :30 ) .
    واخبروا داود أن مستشاره أخيتوفل قد اشترك في الفتنة مع أبشالوم بكل ما له من دهاء ومن معرفة بأسلوب داود . كذلك شمعي بن جيرا لاقي داود في الطريق ، وكان يشتمه ويرشقه بالحجارة قائلاً له { أخرج أخرج يا رجل الدماء ورجل بليعال } ( 2صم 16 :5 ـ 7 ) .. { وكان الشعب لا يزال يتزايد مع أبشالوم } (2صم 15 : 12 ) . ودخل أبشالوم أورشليم هو وكل الشعب الذين معه . وبناء على مشورة أخيتوفل { دخل أبشالوم إلي سراري أبيه أمام جميع إسرائيل } ( 2 صم 16 : 15 ،22 ) . وهكذا كثر الذين يحزنون داود ، وأنقسم عليه كثيرين من شعبه وخانوه فوقف يرتل ويقول :




    {
    ( كثر الذين يحزنونني} { كثيرون قاموا على }
    أو كما قال الشاعر ، عند كثرة همومه في داخله :
    لو كان هماً واحداً لاحتملته *** لكنه هم وثان وثالث
    فلماذا يا رب كل هذا ؟ ولماذا تترك لعبدك هذا الحزن ، ولكثرة المحيطين به القائمين عليه ؟
    بالذات ، بالنسبة إلي أبشالوم ، لم يخطئ إليه داود في شيء ، بل دفعته خيانته وهو ابن !
    فلماذا يا رب ؟!
    كيف أن هؤلاء الناس الذين هتفوا وقت الانتصار على جليات ، ينقلب فيهم كثيرون وينضمون إلي ابن خائن ، وهم يعرفون تماماً أنه خائن لأبيه ؟!
    داود توجه بشكواه إلي الله نفسه ، الله القادر على كل شيء ، الذي يستطيع أن يحول الشر إلي خير ، الله الذي نفس أبشالوم في يده ، وكذلك نفس اختيوفل ، ونفس شمعي بن جيرا ، ونفوس الشعب كلها .
    داود لم تستقطبه الأحزان وتعصره فيتركز فيها ، إنما ترك الأحزان واتجه إلي الله ليصلي .
    متاعبه جعلته يقول يا رب .. يا رب كيف يحدث كل هذا وأنت ترى وتسمع ؟!
    أنت يا رب الذي أشكو لك ، وأنت وحدك الذي تستطيع أن تعزيني وتستطيع أن تقويني وأنت تنقذني . أنت وحدك . لأن الشكوى لغير الله مذلة كما يقول المثل .. حينما أتكلم معك أجد راحة .. أجد الراحة في داخلي ، مطمئناً إلي عملك وتدخلك . وأجد الراحة أيضاً في الخارج نتيجة لعملك من أجلي . أنت الصدر الحنون الذي أتكئ عليه وأقول له لماذا ؟ أو كيف يحدث هذا ؟
    لو قلت للناس لماذا تحزنونني ، لكانوا يعيروني بخطاياي ويشمتون بي ..
    فهكذا فعل شمعي بن جيرا ، دون أن أقول له شيئاً .. قال شامتاً { أخرج أخرج يا رجل الدماء .. قد رد الرب عليك كل دماء بيت شاول الذي ملكت عوضاً عنه .. وها أنت واقع بشرك } ( 2صم 16 : 7 ، 8 ) .
    ولعل هذه الضيقة التي أمر بها هي بسبب خطاياي .
    الآن أتذكر يا رب كيف أنك أرسلت إلي ناثان النبي ، ليحمل إلي رسالة منك تقول { لماذا احتقرت كلام الرب لتعمل الشر في عينه . قد قلت أوريا الحثي بالسيف ، وأخذت آمراته لك امرأة .. والآن لا يفارق السيف بيتك .. قريبك يضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس . قدام جميع إسرائيل } ( 2 صم 12 : 9 ـ 12 ) . أتراك عرفت لماذا كثر الذين يحزنونك ؟
    ولكن داود على الرغم من خطيئته ـ يتذكر أيضاً قول ناثان النبي له :
    } الرب قد نقل عنك خطيتك . لا تموت {( 2صم 12 : 13 ) .
    لقد نقلها ووضعها على الحمل الذي يرفع خطايا العالم كله ( يو1 : 29 ) . إن داود يعرف تماماً قلب الله الحنون الذي هو نفسه يقول عنه : { لم يفعل معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا . لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض ، قويت رحمته على خائفيه . كبعد المشرق عن المغرب ، أبعد عنا معاصينا }
    ( مز103 : 10 ـ 12 ) . لذلك فإن داود يقول في مزاميره للرب :
    أذكر يا رب رأفاتك ومراحمك ، فإنها ثابتة منذ الأزل . خطاياي شبابي وجهالاتي ، لا تذكر ( مز25 : 6 )
    هل لا تزال تذكر لي يا رب تلك الخطية ؟! لقد تفاهمنا بشأنها ، واعتذرت لك عنها ، ونقلتها عني حسب وعدك الصادق الأمين . وأما أنا فبسببها كنت { أعوم في كل ليله سريري ، وبدموعي أبا فراشي } ( مز6 ) . فكيف تذكر لي يا رب آثامي ؟! { إن كنت للآثام راصداً يا رب ، يا رب من يثبت ؟! الآن من عندك المغفرة } (مز130 ) ( لا تدخل في المحاكمة مع عبدك فإنه لن يتزكى قدامك أى حي } ( مز142 : 2 ) .
    نعم يا رب لقد كثر الذين يحزنونني . ولكن يقيناً أنت يا رب لست منهم . لأنك أنت عزائي وخلاصي
    لذلك فأنني في وسط ضيقاتي ، أمسكت مزماري ، لأرتل لك هذا المزمور . حقاً : { أمسرور أحد ، فليرتل }
    ( يع 5 : 13 ) . أما أنا فأرتل لك وأنا في عمق متاعبي . لأن مسرتي فيك .
    لست أحسب هذه الضيقات تأديباً منك لي ، إنما أحسبها تقربني إليك .
    أما خطيئتي أنت قد غفرتها . وإن كنت ترى هذه العقوبات الأرضية نافعة لي ، فأنا اقبلها بشكر ، ولكن ترفق بفتاك ، كما قلت أيضاً { ترفقوا بالفتى أبشالوم } ( 2صم 18 : 5 ) على الرغم من خيانته وكل أخطائه .. لذلك أنا أسال { كيف كثر الذين يحزنونني ؟! كثيرون قاموا على } ..
    حقاً إن كل الضيقات ليست من أجل خطايا .
    إن أصحاب أيوب الصديق أخطأوا في حقه وأثاروه ،إذا اتهموه بأن تجربته كانت بسبب خطاياه (أى 4: 7 ،Cool فخوفهم الله على ذلك لأنهم لم يقولوا الثواب (أى 42 :7 ) . والرجل المولود أعمى ، لما ظن التلاميذ أن عماه بسبب خطية ، أجابهم الرب قائلاً { لا هذا أخطأ ولا أبواه ، ولكن لتظهر أعمال الله فيه } ( يو9 : 3) . والبابا القديس أثناسيوس الرسولي تألم كثيراً وهو بار . رسالته الثانية إلي كورنثوس ( 2كو 11 ) . والكتاب يقول :{ كثيرة هي أحزان الصديقين ، ومن جميعها ينجيهم الرب } ( مز34 : 19 ) والسيد المسيح وهو قدوس القديسين قيل عنه انه { رجل أوجاع ومختبر الحزن } ( إش53 : 3 ) .
    وعلى الرغم من أن بعض متاعب داود كانت بسبب خطيئته ، إلا أن كل متاعبه لم تكن هكذا ..
    فقد صادف متاعب كثيرة جداً في حياته من شاول الملك ، وكان داود وقتذاك في عمق صلته بالرب ، وقد حل روح الرب عليه .. وهذه المتاعب الحاضرة ، وإن كان الرب قد أنذره بشيء منها في ( 2صم 12 ) . إلا أن داود ما كان يظن أن الضيقة ستأتي بهذا العنف ، وأن الذين يحزنونه سيكون بهذه الكثرة ، لذلك عاتب الرب قائلاً : { يا رب كيف كثر الذين يحزنونني . كثيرون قاموا على }
    كانت الأحزان مع داود في بره وفي خطيئته .
    لم تفارقه أبداً ، منذ صباه . ومزاميره تتحدث عن تفاصيل منها . وهنا يرى الأمور قد وصلت إلي خطورة . فيصرخ إلي الرب قائلاً :



    ولعله شرح كلمة (كثيرين) بعبارة { ربوات الجموع المحيطين بي القائمين على } (مز3 :6 ) . هل إلى هذه الدرجة يا رب تسمح أن كل هؤلاء يقومون على ؟! أأنا أخطأت ؟ لقد اعترفت بهذا . ولكن قبل تلك الخطية قد كثر الذين يحزنونني . { مراراً كثيرة حاربوني منذ صباي } ( مز 129 : 1 ) . بل استطيع أن أقول { أكثر من شعر رأسي ، الذين يبغضونني بلا سبب } ( مز 69 : 4 ) { أحاطوا بي واكتنفوني . أحاطوت بي مثل النحل حول الشهد ، والتهبوا كنار في شوك } ( مز 118 : 11 ، 12 ) .
    إنه عزاء كبير لنا ، أن نبياً عظيماً مثل داود ، تعرض لمضايقات الكثيرين ..
    وعزاء أكبر أنه نجا من كل تلك الضيقات . وشعره واحدة لم تسقط من رأسه . بل { نجا مثل العصفور من فخ الصيادين } ( مز 124 : 7 ) مبارك الرب الذي لم يسلمه فريسة لأسنانهم .. حقاً أنه { بضيقات كثيرة ينبغي أن نرث ملكوت الله } ( أع 14 : 22 )
    انظروا كم من ضيقات كثيرة تعرض لها يوسف الصديق
    كثيرون قاموا عليه ، حتى أخوته . القي في بئر ، وبيع كعبد . وقامت ضده امرأة سيدة ، ولفقت له تهمة وهو البريء . وقام ضده فوطيفار ، فآخذه ووضعه في بيت السجن ( تك 39 : 17 ، 20 ) أتراه قال هذه العبارة قبل داود { يا رب كيف كثر الذين يحزنونني }
    المؤمن عموماً محاطاً بأحزان وضيقات ..
    لأبد أن يدخل من الباب الضيق ، ويسير في الطريق الكرب ، ويحمل صليبه باستمرار ، ويخرج إلي الرب خارج المحلة حاملاً عاره ( عب 13 : 13 ) . إن الرب لم يخف عنا ، بل قال لنا بوضوح :
    { في العالم سيكون لكم ضيق } ( يو 16 : 33 )
    ولكن حيثما توجد التجارب ، يوجد الله المنقذ .
    توجد المعونة الألهية التي تعطي عزاء وخلاصاً . إن الكتاب لم يقل فقط : { كثيرة هى أحزان القديسين } بل قال بعدها مباشرة { ومن جميعها ينجيهم الرب } ولم يقل فقط : { في العالم سيكون لكم ضيق } بل قال بعدها
    { لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم }
    أتذكر أنه في فترة ما ، كانت العصافير تشكل خطورة كبيرة على مؤونة الدير ..
    كانت تأكل المحاصيل بعنف ، وكذلك الفاكهة .. وفيما أنا نازل من الدير ، سألت الآباء : { هل تريدون شيئاً أحضره لكم معي ؟ } . فقال أحد الآباء الكبار : { نريد فخاً لكي نصيد به العصفور } فقالت له : { سأحضره لكم . ولكن العصفور سأعلمه مزمور } فسألني : [ أى مزمور ستعمله للعصفور ؟ ] فأجبته : [ المزمور القائل : { نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين . الفخ أنكسر ونحن نجونا .. عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض } ( مز124 ) ] . نعم ، إن الفخ موجود في طريق المؤمنين . ولكن معونة الرب موجودة أيضاً ..
    على أن الخطورة التي صادفت داود ، لم تكن مجرد أن كثيرين قاموا على ..
    عبارة { كثر الذين يحزنونني } يمكن احتمالها . وعبارة { كثيرون قاموا على يمكن احتمالها أيضاً . أما الأمر الذي لا يحتمل فيمكن في عبارة { كثيرون يقولون لنفسي : ليس له خلاص بإله ..! } .





    إن داود يعلم تماماً أن كل متاعبه السابقة ، وكل الأخطار التي حاقت به ، كان الله هو الذي خلصه منها . لقد خلصه الله من الأسد والدب ، حينما أخذا شاه من قطيعه . وكذلك الرب هو الذي خلصه من جليات . لذلك قال لشاول : { الرب الذي أنقذني من يد الأسد ومن يد الدب ، هو ينقذني من يد الفلسطيني } ( 1صم 17 : 37 )
    وعبارة } الخلاص للرب { أو} الحرب للرب { من العبارات المشهورة جداً في فم داود وفي مزاميره
    إنه يقول لجليات : { الحرب للرب ، وهو يدفعكم ليدنا } ( 1صم 17 : 47 ) . ويقول له أيضاً
    { أنت تأتي إلي بسيف وبرمح وبترس ، وأنا آتي إليك بأسم رب الجنود .. هذا اليوم يحبسك الرب في يدي .. } ( 1صم 17: 45، 46 )
    وهكذا يقول بالنسبة إلي أعدائه : { أحاطوا بي مثل النحل حول الشهداء ، وباسم الرب انتقمت منهم .. دفعت لأسقط ، والرب عضدني . قوتي وتسبحتى هو الرب ، وقد صار لي خلاصاً } ( مز 118 ) .
    وكما كان الله خلاصاً لداود من الأسد والدب ، ومن جليات ، كذلك كان له خلاصاً من شاول الملك
    كم من مرة أراد شاول أن يقتله ، وكم مرة طارده من برية إلي برية . وكان الرب هو الذي يخلص داود . ولذلك قال داود لشاول . { الرب يقضي بيني وبينك } ( 1صم 24 : 12 ،15 ) .
    ولما وقع شاول في يد داود ، قال لشاول : { قد دفعك الرب اليوم ليدي ، ولم أشأ أن أمد يدي إلي مسيح الرب . هودا كما كانت نفسك اليوم عظيمة في عيني ، كذلك فلتعظم نفسي في عيني الرب ، فينقذني من كل ضيق }
    ( 1صم 26 : 23 ، 24 ) .
    فإن كان الرب ينقذه من كل ضيق ، إذن ما أخطر هذه الشماتة أنه ليش خلاص بإله .. ؟ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍
    إنهم يوفونه بهذا الأمر المرعب ، أنه ليس له خلاص بإله . وهذا التخويف لم يصدر من فم إنسان واحد ، بل يشكو داود في صلاته صائحاً { كثيرون يقولون لي ليس له خلاص بإله .. !}
    إنه يصارح الرب بما يقوله الناس . ولكنه لا يصدق إطلاقاً هذا الذي يقولونه ..
    خبراته مع الله المحب ، الله المعين ، المنقذ والمخلص .. وحياة الإيمان التي يحياها .. ووعود الله له .. كل هذا لا يجعله يصدق كلام الشماتة الذي يسمعه منهم . ربما ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍يبدو أن الله قد { تأخر} عليه ، وأن معونته لم تأت حتى الآن .. ولكنها لابد آتية ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! ، ولو في الهزيع الأخير من الليل ..
    الله لن يتركه . مستحيل .. الخلاص آت ، لاشك في هذا .. مهما تأخر..
    يقول لنفسي { ليس له خلاص بإله } .. لأنهم أعداء ، ولأنهم شامتون بما حدث لي . شامتون بخيانة أبشالوم وخيانة أخيتوفل ، وشتائم شمعي بن جيرا ..شامتون لأني خرجت من أورشليم حافياً وباكياً .. ولكنهم يقولون هذا الكلام بالأكثر ، لأنهم لا يعرفون الله ، ولا يعرفون محبته لي ، ولا علاقته بي .!
    لذلك فإن داود قال بعدها : سلاه . وهي لإشارة لوقفة موسيقية ..
    أي أنه يقول لفرقة الموسيقيين التي تتابعه في إنشاده . قفوا هنا لنتأمل هذا الأمر ، وأيضاً نغير اللحن . بل نغير هذا الذي يقوله الأعداء والشامتون .. وقفة هنا . لأني لا أقبل هذا الكلام .
    إنها أول مرة ترد فيها كلمة } سلاه { في مزامير داود
    لم ترد في المزمور الأول ، ولا في المزمور الثاني . وهنا ترد لأول مرة في المزمور الثالث . وقد وردت 74 مرة في مزامير داود . عبارة عن وقفة موسيقية لتغيير اللحن ، وربما لتقديم معنى جديد وفكر جديد .. بل قفوا أيها الموسيقيون ، لأني بدلً من الكلام عن الناس ، سأتكلم مع الله . لي حديث معه عما يقوله الناس ..
    حقاً يا رب أنني أخطأت إليك ، } والشر قدامك صنعت { ( مز 50 ) . ولكنك لا يمكن أن تتخلى
    إن تخلى عني الكل ، فأنت لا تتخلى . وإن لن يتقدم أحد لخلاصي ، فهذا أمر لا يتعبني ، بل ولا يدهشني . المهم أنك أنت لا تتخلى ، لأن الخلاص هو من عندك . ومهما كنت خاطئاً ، فأنت { لم تصنع معنا حسب خطايانا } . محال أن أصدق أنك تنظر إلي في ضيقتي ولا تبالي ! لأني أنا عبدك وابن أمتك ( مز 115 ) . ومهما أخطأت : يدك يا رب على ، يدك لا عصاك . وحتى إن كانوا كثيرون قد قاموا على ، وأرادوا لي الموت ، فأنا { إن سرت في وادي ظل الموت ، لا أخاف شراً ، لأنك أنت معي } ( مز 23 ) .. { إن يحاربني جيش ، فلن يخاف قلبي . وإن قام علي قتال ففي ذلك أنا مطمئن } ( مز27 : 3 )
    عبارة} ليس له خلاص بإله { ، هي عبارة تشكيك في معونة الله . أنها من عمل الشيطان ..
    هو الشيطان الذي وضع هذا الكذب وهذا الإدعاء في أفواههم ، لكي يقلل إيماني بك وبمحبتك ومعونتك ، لكي يدفعني إلي اليأس والاستسلام ، لكي يشكك الناس أيضاً في مساندة الله لأولاده . أما انا فلا أيأس أبداً من معونتك .
    مهما } تأخرت { معونتك ، فأنا مازلت أنتظرك ، في ثقة وفي إيمان ..
    { الرب عوني فلا أخشى ماذا يصنع بي الإنسان . الرب لي معين ، وأنا أرى أعدائي } ( مز118 : 6 ، 7 ) . بهذه الثقة أنتظر الرب ، وانتظر الرب من محرس الصبح إلي الليل ( مز 130 ) .
    حتى إن كان الله يعاقب أحياناً ، فإنه شفوق في عقابه .
    لذلك فأنا { أقع في يد الله ، ولا أقع في يد إنسان ، لأن مراحم الله واسعة } ( 1 أى 20 :13 ) . الله الذي لا يقصف قصبة مرضوضة ، ولا يطفئ فتيلة مدخنة ( مت 12 : 20 ) . الله الذي { يجرح وعصب }
    ( أى 15 : 18 ) .
    عبارة } ليس له خلاص بإله { تذكرني بالكلمات القاسية التي تلفظ بها أصحاب أيوب
    كم كان أشدها أيلاماً لنفس متمرمرة ، جرحوا بها إنساناً باراً . ولكن الله بكتهم ( أى 42 : 10 ) .. وفيما بكتهم { رد الله سبى أيوب } ( أى 42 : 10 ) . لأن الله لا يترك أولاده . وهكذا نحن { متحيرين لكن غير بائسين . مضطهدين لكن غير متروكين . مطروحين لكن غير هالكين } ( 2 كو 4 : 8 ، 9 ) . فليقل الناس إذ ما يقولون .. وليستخدموا أسلحة الشماتة والتشكيك .
    أما أنا يا رب ، فإني أعرف من أنت :
    أنت يا رب ناصري (1) ، مجدي ورافع رأسي .





    وكأني بالبعض يسمع داود فيتعجب .. ماذا تقول أيها المسكين ؟ { ناصري ؟! ومجدي ؟! ورافع رأسي ؟! } كيف هذا ؟ وأنت قد خرجت باكياً وحافياً ، وكل الذين وراءك يبكون معك !! وصديقك حوشاي الأركي لما أتى للقائك ، جاءك ممزق الثوب والتراب على رأسه ( 2صم 15 : 32 ) ! هل في هذا مجد ونصرة ؟! وهوذا شمعي بن جيرا يشتمك ويقول : { اخرج يا رجل الدماء ورجل بليعال } وأنت تقول لاصحابك في مذلة :
    { دعوه يسب ، لأن الرب قال له سب داود .. لعل الرب ينظر إلي مذلتي ..} ( 2صم 16 : 5 ـ 12 ) . هل تقول بعد كل هذا { مجدي ورافع رأسي } ؟!
    ولكن داود قال عبارته هذه بروح الإيمان ، غير ناظر إلي ما هو فيه ، وإنما إلي معونة الرب الآتية . لم يكن يحيا في الضيق الحاضر ، وإنما في الفرح المقبل ، وفي قلبه } الإيقان بأمور لا ترى { ( عب 11 : 1 )
    كان وهو في مرارة ضيقته ، يرى خلاص الرب ماثلاً أمامه ، حتى قبل أن يأتي . أنها فضيلة الرجاء ، التي لا تعرف ضيقاً ولا يأساً . وليس الرجاء فقط ، وإنما أيضاً { الثقة بما يرجى } ( عب 11 : 1 ) . يتدرج منها الإنسان المؤمن إلي قول الرسول : { فرحين في الرجاء } ( رو 12 : 12 )
    المتاعب موجودة والله أيضاً موجود . الإيمان به وبعمله ، يغطى على كل المتاعب ، فلا نراها ، إنما نرى عمل الله ونفرح به ونتغنى به في مزاميرنا
    ونقول في عمق المتاعب : { أنت يا رب ناصري . مجدي ورافع رأسي } . أنت يا رب ضابط الكل . أنت لم تخلق الكون وتتركه . إنما أنت ترعاه . أنت تنظر إلي كل ما يحدث على الأرض ، وتقيم العدل بين الناس . وكما قال نبيك ملاخي : { والرب أصعي وسمع ، وكتب أمامه سفر تذكرة } ( ملا 3 : 16 )

    أتراك لم تنظر أبشالوم وشمعي وأخيتوفل ؟ كلا بل رأيتهم في غرورهم وثورتهم وخيانته ، ورأيتني فيما أنا فيه من ظلم و مذلة
    هذا انا اسمع صوتك
    } من اجل شقاء المساكين وتنهد البائسين، الآن أقوم - يقول الرب-اصنع الخلاص علا نية { (مز 11)
    وداود يحس بهذا تماما، فيقول في كثير من المناسبات آن الله ترس لي (مز3:3) درع واق من كل ضربات الأعداء . ترس أ و درع من كل سهام شاول الملك(2صم10 ) بل من { كل سهام الشرير الملتهبة } (أف 6 :16) . نعم انه الله الذي :{ لا يترك عصا الخطاة تستقر على نصيب الصديقين . . . } (مز 125 : 3 ) .
    إنه أله المساكين والضعفاء والعاجزين أمام من هو أقوي منهم ..
    نقول له في صلواتنا الطقسية : { يا معين من ليس له معين ، ورجاء من ليس له رجاء ، وعزاء صغيري النفوس ، ميناء الذين في العاصف } . ويقول داود النبي : { جميع عظامي تقول يا رب من مثلك : المنقذ المسكين ممن هو أقوى منه ، والفقير والبائس من سالبه } ( مز 35 : 10 ) .
    لذلك بينما يعتمد الأقوياء على أنفسهم ، نجد الضعفاء يصرخون إلي الله ..
    إن داود لم يصرخ إلي الله ، حينما كان شاعراً بقوته وبقدرته على ضرب نابال الكرملي ( 1صم 25 : 13 ، 22 ) . ولكنه صرخ إلي الله وهو شاعر بعجزه أمام شاول ، وبعجزه أمام أبشالوم ، بسبب قوتهما من جهة . ومن جهة أخرى لأن شاول هو مسيح الرب وأبشالوم هو ابن داود . لذلك فهو عاجزاً عن ضربهما لأسباب نفسية في داخله ، وأيضاً لأنهما لا يباليان بأي تصرف بسبب انحدار مستواهما الروحي .. ولهذا فإنه يصرخ إلي الله : يا رب كيف يحدث هذا ؟ كيف كثر الذين يحزنونني ؟
    حقاً ، كلما وقف الإنسان ضعيفاً أمام الله ، كلما كان مستحقاً لمعونته الإلهية
    لأنه من عمل الرب أن يبشر المساكين ، ويعصب منكسري القلوب ( أش 61 : 1 ) . وكما قال الرب في رعايته لغنمه : { أنا أرعى غنمي وأربطها .. وأجبر الكسير ، وأعصب الجريح .. } ( خر 34 : 15 ، 16 ) . وهنا كان داود في موقف الكسير الجريح . لم يكن الملك العظيم الجالس على عرشه ، وإنما كان الملك الطريد الهارب من وجه أعدائه ..
    إن القوى عرضه للسقوط أكثر من غيره ، غالباً بسبب كبريائه واعتزازه وبقوته !
    لأنه { قبل الكسر الكبرياء ، وقبل السقوط تشامخ الروح } ( أم 16 : 18 ) . فالأقوياء من فرط غرورهم بقوتهم لا يحترسون ، فيسقطون لقلة الحرص . ومن ثقتهم بأنفسهم لا يشعرون بحاجتهم إلي قوة خارجية ، فلا يصلون طالبين معونة . وإذ يبعدون أنفسهم عن عمل النعمة يسقطون . ولذلك قيل عن الخطية أنها : { طرحت كثيرين جرحى ، وكل قتلاها أقوياء } ( أم 7 : 26 ) .
    وكان داود يصلي لينقذه الرب من الأقوياء
    كان يقول : { اللهم باسمك خلصني .. فإن الغرباء قد قاموا على ، والأقوياء طلبوا نفسي . لم يجعلوا الله أمامهم } ( مز54 : 1 ،3 ) . وهكذا كان كل الأقوياء الذين قاموا ضد داود : الأسد والدب ، وجليات ، وشاول ،وأبشالوم . وكلهم { لم يجعلوا الله أمامهم } واختبر داود كيف أن الله نصره ضد كل هؤلاء .فقال له هنا : { أنت ناصري رافع رأسي } أنت كنت درعاً وترساً لي ، اصد به كل سهام أعدائي .. وهكذا لم يمت شاول بيد داود ، ولا مات أبشالوم بيد داود ، لأن الحرب للرب الرب هو الذي خلصه منها ..
    حقاً ، كما قال موسى النبي : { لا تخافوا قفوا وانظروا لاص الرب .. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون }
    ( خر 14 : 13 ، 14 ) وبالنسبة إلي داود ، لم يكن الرب فقط ترساً له ، درعاَ يصد الهجمات ، إنما يقول عنه بالأكثر : { مجدي ورافع رأسي } ..



    هوذا الرب يقول عنه في المزمور : { لأنه تعلق بي أنجيه . أرفعه لأنه عرف أسمي .. معه أنا في الضيق : أنقذه وأمجده } ( مز 91 : 14 ، 15 ) . لم يقل فقط : { أنجيه } ، إنما قال بعدها أيضاً { أرفعه } . ولم يقل فقط { أنقذه من الضيق } ، وإنما قال أكثر من هذا : { وأمجده } . وهذا هو الذي حدث مع داود .
    أنقذه الرب من جليات الجبار . وأيضا مجده الله في هذه المناسبة ورفع رأسه .
    فخرجت النساء تغنين بالدفوف والفرح والرقص قائلات : { ضرب شاول ألوفه ، وداود ربواته } ( 1صم 18 : 6 ، 7 ) .
    وتعين داود رئيساً على رجال الحرب ، ونال محبة جميع الشعب ، وألبسه الأمير يوناثان ثيابه وقوسه ومنطقته ، وبعد هذا أمكن أن يتزوج داود ميكال ابنه الملك ، وأعانه الله في إنتصارات أخرى ( 1صم 19 ) بل قيل عنه أيضاً : { كان داود يفلح أكثر من جميع عبيد شاول فتوقر أسمه جداً } ( 1صم 19 : 35 ) .
    كذلك لم ينقذه الرب فقط من شاول الملك ، إنما مجده بعدها ورفع رأسه .
    مات شاول الملك الذي كان يطلب نفسه . وهكذا تخلص داود من كل محاولات شاول لقتله . وبموت شاول رفع الله داود إلي كرسي الملك ، فأتوا ومسحوه ملكاً على بيت يهوذا ( 2صم 2 : 4 ) .
    { وكان داود يذهب يتقوى ، وبيت شاول يذهب يضعف } ( 2صم 3 : 1 ) . وخلصه الرب من أبنير قائد جيش شاول ، فمات ( 2صم 3 : 30 ) { وجاء جميع أسباط إسرائيل إلي داود إلي حبرون ، وتكلموا قائلين هوذا نحن عظمك ولحمك .. ومسحوا داود ملكاً على إسرائيل } ( 2صم 5 : 1 ، 3 ) . واستقر له الأمر كملك على الشعب كله .. ورفع الله رأسه .
    تذكر داود كل هذا ، عند قيام أبشالوم ضده . ونال عزاء داخلياً من ذكرياته فقال :






    لا شك أن القلب يتعزى ، وإيمانه يتقوى، كلما يذكر إحسانات الله السابقة إليه ، وكلما يذكر صلواته التي استجابها الله من قبل .. هذه الذكريات تشعر الإنسان بمحبة الله وعمله ، فيقول لنفسه : أن الذي استجاب في القديم ، هو أيضاً يستجيب الآن وكل آوان . وهكذا نحن نقول في القداس الألهي :
    } يالذي بارك في ذلك الزمان ، الآن أيضاً بارك { ..
    خلاص الرب لداود ، كان هو قصة حياته كلها . كلما تذكر تفاصيل حياته ، يذكر خلاص الرب . ولهذا نجد في الكتاب عبارة معزية جداً ، يقول فها الوحي الإلهي : { وكان الرب يخلص داود حيثما توجه } ( 2صم 8 : 6 ).
    هذا الخلاص لم يستطع داود أن ينساه في وسط ضيقاته . بل هذا الخلاص لا تنساه الكنيسة كلها ..
    التاريخ طويل ، حافل بالذكريات المحببة للنفس . إن الذي أنقذ من نيرون هو الذي أنقذ أيضاً من ديوقلديانوس ومن أريانوس والى أنصنا ، ومن كثيرين بعدهم . وكل آلة صورت ضد أولاد الله لم تنجح ( أش 54 : 17 ) . وبهذه الذكريات يتعزى القلب الصارخ إلي الله ، مهما كانت الصعوبات الواقفة أمامه . يتذكر قول الرب عن رز بابل ، عند إعادة بناء الهيكل .
    } من أنت أيها الجبل العظيم ؟! أمام رز بابل تصير سهلاً } ( زك 4 : 7 )
    كثيراً ما صرخ داود إلي الله فاستجاب له . ولم ينس هذه الاستجابة ، بل تذكرها ليتعزى بها .. إنه لم يعش حياة سهلة ، وإنما صار في طريق محفوف بالضيقات والمتاعب ، وقد نجاه الرب بصلوات مستجابة ، حتى قال : { كثيرة هى أحزان الصديقين ، ومن جميعها ينجيهم الرب . يحفظ الرب جميع عظامهم ، وواحدة منها لا تنكسر } ( مز 83 ) .
    خبرات الإنسان مع الله ، تشجعه في وقت الضيق . وهنا داود يتذكر خبراته ..
    { بصوتي إلي الرب صرخت فاستجاب لي } . وعبارة { صرخت } تدل على عمق الصلاة وعمق الحاجة ، وعمق الشدة التي هو فيها . ومزامير داود مملوءة بصراخه إلي الرب . ويمكن أن تتبعوا كلمة صرخت فيباقي المزامير . نجد لها مثيلاً في صلاة يونان وهو في بطن الحوت .. كان ولا شك في شدة يناسبها الصراخ . فقال للرب : { صرخت من جوف الهاوية ، فسمعت صوتي } ( يون 2 : 2 ) . صرخت والرب استجاب { وأمر الرب الحوت فقذف يونان إلي البر } ( يون 2 : 10 ) .
    الإنسان يرفع صلواته إلي أقداس الله ..
    لذلك يقول هنا : { استجاب لي من جبل قدسه } . ويقول في ( مز 19 ، 20 ) { الآن علمت أن الرب خلص مسيحه .. واستجاب له من سماء قدسه } . لذلك من المفروض أن تكون الطلبات مقدسة ، أو على الأقل طلبات تتفق مع مشيئة الله ..

    يستطرد داود في ذكر خبراته مع الله فيقول :





    عجيب أن داود يستطيع أن يضطجع وينام ، مع وجود كثيرين يحزنونه ، وربوات من الجميع محيطين به . الوضع العادي أن يطير النوم من عينه ، وسط هذه الأحزان والتهديدات الخارجية .. انظروا ماذا قيل عن داريوس الملك ، حينما ألقى دانيال في جب الأسود .. يقول الوحي الإلهي عنه : { حينئذ مضى الملك إلي قصره ، وبات صائماً .. وطار عنه نومه } ( دا 6 : 18 ) .
    ولكن على الرغم من الضيقات ، ينام الإنسان الذي يكون قلبه مملوءاً بالإيمان وبالسلام ..
    بمثل هذا الإيمان وهذا السلام ، نام بطرس الرسول في السجن محروساً بأربعة من العسكر ، وقد نوى الملك هيرودس أن يسلمه بعد الفصح إلي اليهود ( بعد ايام ) ليقتلوه ( أع 12 : 3 ، 4 ) . ولم ينام نوماً قلقاً ، وإنما نوماً ثقيلاً ، لدرجة أن الملاك الذي جاء لإنقاذه ، ضربه في جنبه لإيقاظ ( أع 12 : 7 ) .. وهكذا اضطجع داود ونام ..
    الضيقات كانت خارجة ، تضغط من الخارج ، ولو تدخل إلي داخل نفسه فتقلقه وتمنع عنه النوم
    ولذلك استطاع أن ينام ، ليس نوم الغفلة ، ولا نوم الموت ، ولكن نوم الثقة . نام في أحضان الله الحنون . أبشالوم ومعه الجيش يطارده ، وهو في البرية ينام . تاركاً الرب يستر ويحفظ ..
    كان داود في نومه ، أكثر اطمئنانا من أبشالوم المعتزل بقوته .. لذلك قال : } أنت اضطجعت ونمت { ..
    ولكنني حينما أصل في تأملاتي معكم إلي هذه الآية بالذات ، أتذكر أننا نذكرها في ليلة الجمعة الكبيرة في وقت ( الدفنة ) ، حينما نتذكر في الطقس دفن السيد المسيح ، ونقرأ المزامير ..
    نصلي المزمور إلي عبارة } اضطجعت ونمت { التي تتنبأ عن موت المسيح . ثم نمت ولا نكمل المزمور . وفي صلاة ليلة القيامة ، نكمل ونقول : } ثم استيقظت { تشير إلي قيامة السيد المسيح ..
    فالنوم يرمز أحياناً إلي الموت . وحينما تكلم الرب عن موت لعازر ، قال لتلاميذه القديسين : { لعازر حبيبنا قد نام ، لكني أذهب لأوقظه } ( يو 11 : 11 ) وكان يتكلم بالرمز عن موت لعازر . ويقصد بكلمة { أذهب لأوقظه } أي أذهب لأقيمه من الأموات . وهنا نفس المعنى في عبارة { أنا اضطجعت ونمت ثم استيقظت } .. بالنسبة إلي السيد المسيح . وهذا التفسير يدلنا على أن هناك ثلاث اتجاهات في تفسير هذا المزمور وتأملاته :





    الإتجاه الأول في التفسير ، خاص بداود الملك ومتاعبه وأحزانه . ومثاله كل ما قلناه في الصفحات السابقة
    الاتجاه الثاني في التفسير ، خاص بالسيد المسيح له المجد ومثاله ما قلنا في تطبيق الآية : { أنا اضطجعت ونمت ثم استيقظت } على موت السيد المسيح وقيامته . وهو منهج واضح في طقس الجمعة الكبيرة . وهو أيضاً المنهج الذي يستخدمه القديس أوغسطينوس في تفسير كثير من المزامير .
    الاتجاه الثالث في تفسير هذا المزمور ، هو اتجاه روحي ، ينطبق على كل إنسان في حياته الخاصة . وسنعرض له أن شاء الله في صفحات مقبلة من هذا الكتاب ..





    نبدأ من أول المزمور . ونرى السيد يقول للآب : { يا رب ، كيف كثر الذين يحزنونني كثيرون قاموا على ؟! } كيف أمكن أن يجتمع ضدي كل هؤلاء في كثرتهم : الكتبة والفريسيين والصدوقيين والشيوخ والكهنة ورؤساء الكهنة ، وهذه الجموع من الشعب الذي أحسنت إليه .. ! حقاً أنه أمر يدعوا إلي العجب .
    وعجيب أيضاً أن يظنوا أنني أريد الخلاص من الصليب ( مت 27 : 42 ) ! ويقولون عني في ذلك : { ليس له خلاص بإله } ! { أتركه لنرى إيليا ليخلصه } ( مت 27 : 49 ) . وكانوا يستهزئون به قائلين : { أن كنت أنت المسيح فخلص نفسك } ( لو 23 : 39 ) . وكانوا يرون أن موته هو نهايته وأنه لن يكن له خلاص بعد ذلك .
    أما أنت يا رب فعوني ، ناصري على كل هؤلاء ، مجدي ورافع رأسي . في نفس عملية الصليب مجد للابن ، وفي قيامته مجد قال حينما اقترب إلي الجلجثة { أيها الأب قد آتت الساعة . مجد أبنك ليمجدك أبنك أيضاً } ( يو 17 : 1 ) كان يرى مجده في صليبه . مجد الحب والبذل ، ومجد القضاء على دولة الشيطان ، وشراء الخليقة بالدم الكريم . مجد الملكوت الذي سيؤسسه بدمه . مجد الفداء والكفارة . المجد الذي سيرفع رأسه كمخلص للعالم كله بموته . لأنه بموته سيدوس الموت ، ويدوس إبليس الذي أدخل الموت إلي العالم . هذا هو المجد أن الابن سحق رأس الحية على صليبه ومجده في القيامة أمر واضح للكل .
    { أنا اضطجعت ونمت ثم استيقظت } . أنا لم أمت الموت الذي يظنونه النهاية .. فروحي خالدة لا تموت . وأنا بلاهوتي حتى لا أموت . إنما هذا الموت أشبه بنوم استيقظت منه بالقيامة . حقاً انفصلت فيه الروح عن الجسد ، لتوفي العدل الإلهي ، صم عادت إلي جسدها بقيامة مجيدة داست بها الموت إلي الأبد .
    لذلك { لا أخاف من ربوات الجموع المحيطين بي القائمين على } الصارخين في جهالة قائلين :
    { أصلبه أصلبه } غالبية هؤلاء سيرجعون إلي تائبين لينضموا إلي الإيمان .. وليس لأحد من هؤلاء سلطان
    على . لي نفس أنا أضعها من ذاتي . { أضع نفسي لآخذها أيضاً . ليس أحد يأخذها مني . لي سلطان أن أضعها . ولي سلطان أن آخذها أيضاً } ( يو 10 : 17 ، 18 ) ..





    إما أن يطبق المصلي هذه الآيات على نفسه في مشاكله وأحزا نه وكثرة الأعداء المحيطين به .
    وإما أن يأخذها بطريقة روحية ، فينادي الرب طالباً عوناً في حروبه الروحية قائلاً : كيف يا رب كثر الذين يحزنونني . كثيرون قاموا على : حروب من الأفكار ، وحروب من الحواس ، وحروب من مشاعر القلب وشهواته ، وحروب من الشياطين ، وعثرات من الناس ، وسقطات من اللسان ..
    وكل هذه الحروب في ضغطاتها ، تشمت بسقطاتي ، وتحاربني باليأس قائلة { ليس له خلاص بإله } .. كما لو كان الرب قد تركني ، ونعمته قد تخلت عني ، وأسلمني للهلاك ..
    ولكنك يا رب بقلبك الحنون ، لن تتركني في خطاياي . أنت ترس لي . أنت ناصري . لابد ستقيمني من سقطتي ، وتردني إلي رتبتي الأولي ، وتغسلني فأبيض أكثر من الثلج ، وتمنحني بهجة خلاصك وتعود فترفع رأسي ، وترجعني إلي صورتي الأولي ، فأتمجد بك .
    هكذا فعلت مع الخاطئة يهوذا في سفر حزقيال النبي . قلت : { رأيتك مدوسة بدمك فبسطت ذيلي عليك وسترت عورتك .. ودخلت معك في عهد – يقول السيد الرب فصرت لي . فحممتك بالماء { أي في المعمودية } ومسحت بالزيت أي { بمسحة الميرون المقدسة } .. وألبستك مطرزة وكسوتك بزاً
    { أي تبررات القديسين } .. ووضعت تاج جمال على رأسك .. وجملت جداً جداً ، فحصلت لمملكة . وخرج لك أسم في الأمم لجمالك ، لأنه كان كاملاً ببهائي الذي جعلته عليك } ( حز 16 : 6 – 14 ) .
    وهكذا يجد الخاطئ أن الله يرفع رأسه ، بل يضع تاج جمال لى رأسه .
    وذلك بأنه يطهره وينقيه من كل نجاساته ، كما وعد في سفر حزقيال قائلاً : { وأرش عليكم ماء طاهراً فتطهرون من كل نجاستكم .. أعطيكم قلباً جديداً ، وأجعل روحاً جديدة في داخلكم . وانزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم وأجعل روحي في داخلكم وأجعلكم تسلكون في فرائضي } ( حز 36 : 25 ـ 27 ) .. كل هذا يا رب .
    حقاً أنت يا رب ناصري . ومجدي ورافع رأسي . وقد كذب الذين قالوا عني : ليس له خلاص بإله .
    إن كنت قد سقطت ، فأنا بمعونتك سأتوب .. لقد اختبرت هذا في حياتي ، لأني مراراً كثيرة { اضطجعت ونمت ثم استيقظت } لأنك أنت يا رب ناصري على كل ضعفاتي .. ما أكثر ما أصابني الخمول في روحياتي ، ثم تأتي بعده يقذه روحية ، أسمعها فيها يقول الرسول :
    { استيقظ أيها النائم ، وقام من الأموات ، فيضيء لك المسيح } ( أف 5 : 14 ) .
    أشكر الله أني استيقظت . وكان النوم شيئاً عارضاً في حياتي . ولم تتركني النعمة الحافظة . لذلك مهما حاربني العدو بشتى الحروب الروحية ، { فلا أخاف من ربوات الجموع المحيطين بي ، القائمين على } . الله أقوى منهم جميعاً . يكفيني أن أصرخ إلي الله ، كما صرخت من قبل مراراً ، { فاستجاب لي من جبل قدسه }
    10- وهكذا يستمر المزمور بالنسبة إلي الإنسان العادي سواء من جهة ضيقاته وأعدائه ، أو من جهة خطاياه
    11- ويمكن أن هذا المزمور يقال على لسان الكنيسة باعتبارها جماعة المؤمنين وجسد المسيح .
    وهكذا يتسع التأمل في المزمور ، ولا يقف عند اتجاه معين . والقديس أوغسطينوس بعد أن ركز على السيد المسيح في بادئ تفسيره ، عاد وطبقه على الكنيسة ، ثم على الفرد العادي ...





    داود خانه أبشالوم . والسيد المسيح خانه يهوذا والشعب الذي هتف أصلبه أصلبه ..
    داود صرخ { قائلاً كثيرون قاموا على } . والسيد المسيح كذلك قام عليه كثيرون .
    وداود لم يكن ضد أبشالوم الذي خانه ، بل قال لقادة جيشه : { ترفقوا بالفتى أبشالوم } ( 2صم 18 : 5 ) ولما مات أبشالوم حزن عليه داود ، وبكى وهو يقول : { يا ابني أبشالوم ، يا ليتني مت عوضاً عنك يا ابشالوم ابني يا ابني } ( 2 صم 18 : 23 )
    وكلمة أبشالوم معناها سلام أبيه ــ مكونة من مقطعين أب ، شالوم . ذلك لأن أبشالوم وإن كان ضد أبيه ، إلا أن أباه لم يكم ضده ، بل كان في سلام معه ، على الرغم من ثورة هذا الابن عليه .
    والس

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة يوليو 05, 2024 10:24 pm