منتدي القديس مارمينا

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي القديس مارمينا يرحب بكم ويتمني قضاء وقت سعيد معانا


    تابع انجيل يوحنا

    avatar
    iforgive-iforget


    عدد المساهمات : 141
    تاريخ التسجيل : 05/12/2009

    تابع انجيل يوحنا Empty تابع انجيل يوحنا

    مُساهمة من طرف iforgive-iforget الأربعاء ديسمبر 09, 2009 1:47 pm

    13- آخر ما كُتب من أسفار الكتاب المقدس

    قلنا أن هذا الإنجيل جاء متمايزًا عن الأناجيل الإزائية Synoptic Gospel، بكونه قد كُتب في أواخر القرن الأول، غالبًا آخر ما كُتب من أسفار الكتاب المقدس، فجاء لا ليكرر ما ورد في الأسفار الأخرى بل ليكملها، لهذا جاء يحمل السمات التالية:

    v بينما اهتمت الأناجيل المؤتلفة بخدمة السيد المسيح في الجليل ولم تتعرض إلا لرحلةٍ واحدةٍ له في أورشليم في الأسبوع الأخير من حياته على الأرض، اهتم هذا الإنجيل بالأكثر بخدمة السيد المسيح في اليهودية وأورشليم والهيكل، لهذا دُعي البعض الأناجيل الأولى بالجليلية، أما إنجيل يوحنا فيُدعى "الإنجيل الأورشليمي".

    v قدمت لنا الأناجيل الأولى معاملات السيد المسيح وأحاديثه مع عامة الشعب بلغة البساطة، أما الإنجيل الأورشليمي فإهتم بالأكثر بمعاملات السيد المسيح مع علماء اليهود وزعمائهم وأحاديثه معهم أكثر من أحاديثه مع العامة. لهذا ادعى بعض الدارسين أن مسيح الأناجيل المؤتلفة يكاد يكون غير مسيح الإنجيل الأورشليمي. لكن الحقيقة أنه السيد المسيح الذي يخاطب جماهير الشعب بلغة شعبية تعتمد على الأمثال من واقع حياتهم هو نفسه يخاطب العلماء بلغة أخرى، إذ يُعلن عن ذاته وعن الآب صراحة، حتى قال التلاميذ: "الآن تتكلم علانية ولست تقول مثلاً واحدًا" (29:16).

    14- وحدة فنية وزمنية معًا

    يمثل إنجيل يوحنا وحدة فنية وزمنية معًا بطريقة فريدة ورائعة. ففيه ترتبط موعظة السيد وأحاديثه بالأحداث ربطًا زمانيًا ومكانيًا وموضوعيًا. يضم هذا الإنجيل سبع معجزات ترتبط بسبعة أحاديث تكشف عن شخص السيد المسيح وأسراره الإلهية.

    15- استخدام طريقة المقابلة

    اتسم الإنجيل بحسب يوحنا باستخدامه طريقة المقابلة، نذكر على سبيل المثال:

    v أُفتتح سفر التكوين بالعبارة: "في البدء خلق اللَّه السموات والأرض"، وأُفتتح الإنجيل هكذا: "في البدء كان الكلمة... به كان كل شيء".

    v تمت الخليقة في 6 أيام، وبدأ تجديد الخليقة في اليوم السادس من بدء شهادة يوحنا عنه (19:1-1:2) إلى دخوله العرس، وتحويل ماء حياتنا إلى خمر محبته.

    v نجد مقابلة بين نيقوديموس رئيس اليهود المتردد (ص3) والسامرية غريبة الجنس الشاهدة له لتجتذب المدينة كلها (ص4).

    v عند حديثه عن تناول جسده المقدس نفر منه كثيرون (66:6)، يقابل هذا تعلق تلاميذه به بالأكثر، إذ يقول القديس بطرس: "يا رب إلى من نذهب، كلام الحياة الأبدية عندك؟ ونحن قد آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن اللَّه الحيً" (68:6،69).

    v عند تفتيح عيني المولود أعمى (ص 9) اجتمع الفريسيون معًا لمقاومة السيد، معلنين أنه رجل خاطئ (24:9)، بينما وقف الأعمى يشهد له أمامهم ويحاجهم. لذا قال السيد: "لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم، حتى يبصر الذين لا يُبصرون، ويعمى الذين يُبصرون" (39:9).

    16- تنوع في الأسلوب

    من جهة الأسلوب حمل هذا السفر تنوعًا في الأسلوب، كأن يستخدم أحيانًا الرمزية، وأحيانًا الأسلوب القصصي، وأيضًا الحوار الجدلي، والخطابة، والأسلوب الباطني (الصوفي)، والتعليمي... بتناسقٍ وتناغمٍ مع وحدة اللغة مما يدل على أن الكاتب واحد.

    من العلامات المميزة لإنجيل يوحنا لغته، فبينما يتكرر تعبير "ملكوت اللَّه" و"ملكوت السماوات" في الأناجيل الإزائية، لا نجده في هذا السفر إلا مرتين. وعلى العكس يتكرر هنا تعبير "أنا هو..." بينما لا نجده في الأناجيل الإزائية.

    إنجيل يوحنا والعهد القديم

    يعتبر إنجيل يوحنا أقل الأناجيل اقتباسًا من عبارات العهد القديم بطريقة مباشرة، ففي النص اليوناني: "Nestle Greek Text" نجد فقط 14 عبارة مقتبسة، وفي نص "Westcott-Hort" نجد إشارة إلى 27 عبارة في إنجيل يوحنا مقتبسة عن العهد القديم، يقابلها 70 في مرقس، 109 في لوقا، 124 في متى. مع هذا يرى كثير من الباحثين الارتباط الشديد بين إنجيل يوحنا والعهد القديم، إذ قدم لنا السيد المسيح بكونه المسيا، العبد المتألم، ملك إسرائيل، النبي، الأمر الذي يُطابق الصورة التي قدمها لنا العهد القديم.

    يقول Donald Guthrie إن التركيز الشديد الذي وُجه نحو مدى أثر الهيلينية على إنجيل يوحنا جعل دراسة أفكار العهد القديم في هذا السفر لم تستوفِ حقها. ففي الحقيقة قدم لنا الإنجيل شخص يسوع المسيح كجزءٍ من التاريخ اليهودي. وحينما رفضه اليهود، إنما رفضوا شخصًا ينتمي إليهم: "إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله" (11:1). جاء إلى الهيكل، ومارس سلطانه الذي من حقه، إذ "صنع سوطًا من حبال وطرد الجميع من الهيكل؛ الغنم والبقر..." (15:2) الخ. لقد أدرك نيقوديموس وهو رئيس لليهود حق السيد كمعلم (1:3، 2)، وقد حسب السيد نفسه من بين اليهود الذين لديهم سرّ الخلاص، قائلاً للسامرية: "أما نحن، فنسجد لما نعلم، لأن الخلاص من اليهود" (22:4).

    يرى بعض الدارسين أن أسفار العهد القديم، خاصة سفريّ التكوين والخروج وراء هذا السفر، خلال العبور من الحرف إلى الروح، ومن الظل والرمز إلى الحق:

    1. يفتتح سفر التكوين بالحديث عن اللَّه كخالق، أوجد العالم كله من أجل محبته للإنسان، ويفتتح إنجيل يوحنا بالحديث عن كلمة اللَّه (اللوغوس) الذي به كان كل شيء. هو الخالق ومُجدد الخليقة، ينير كل إنسانٍ ببهائه.

    2. أبرز إنجيل يوحنا الصراع بين السيد المسيح وإبليس الذي كان قتَّالاً للناس منذ البدء (تك 3، يو 44:Cool؛ أعطانا الغلبة عليه، قائلاً: "الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجًا" (31:12)، فقد جاء من هو من نسل المرأة ليسحق رأس الحية (تك 15:3).

    3. في سفر الخروج كان تابوت العهد يمثل مقدسًا ليسكن اللَّه في وسطهم، وجاء إنجيل يوحنا يُعلن مجد ابن اللَّه المتجسد الحال في وسطنا (14:1).

    4. الحيَّة النحاسية الشافية (عد4:21-9) رمز للسيد المسيح مخلصنا (يو 14:3).

    5. المن السماوي (خر 16) رمز لجسده المبذول (يو 25:6-58).

    6. الصخرة واهبة الماء (خر1:17-7) رمز للسيد المسيح القائل: "إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب" (37:7).

    7. عمود النار الذي كان يضيء لهم (خر21:13-22) يشير إلى القائل: "أنا هو نور العالم" (12:8؛ راجع 35:12).

    8. في سفر الخروج أعلن اللَّه ذاته لموسى قائلاً: "أنا هو"، أو "أهيه الذي أهيه" (14:3)، وجاء السيد المسيح في إنجيل يوحنا يؤكد" "أنا هو" أكثر من مرة.

    9. احتل الفصح مركز الصدارة في سفر الخروج (ص 12)، خلاله عبر شعب إسرائيل من مصر حيث العبودية لينطلقوا نحو أرض الموعد. وقد جاء إنجيل يوحنا يكشف لنا عن العبور الحقيقي. إنه عبور من هذا العالم إلى الآب (1:13، 28:16).

    ذكر الإنجيلي أعياد الفصح الثلاثة التي أقيمت أثناء خدمة السيد المسيح، وبدون ذكرها هنا لما استطعنا معرفة مدة إقامته على الأرض نحو ثلاث سنوات ونصف بعد الثلاثين السابقة لعماده.

    v في العيد الأول (13:2 الخ) قام بتطهير الهيكل، معلنًا غيرته عليه، مؤكدًا لهم أنه يُقيم الهيكل من جديد في ثلاثة أيام (خلال قيامة هيكل جسده).

    v في العيد الثاني (4:6 الخ) أعلن عن تقديم جسده المبذول مأكلاً حقًا للتمتع بالحياة الأبدية.

    v في العيد الثالث (31:12) جاءت ساعته ليتمجد خلال ارتفاعه على الصليب فيهب مؤمنيه حياة أبدية.

    10. أعطى مفاهيم جديدة للعهد القديم، فإذ كان اليهود يعتزّون بأنهم أبناء إبراهيم صاحب العهد، وحافظو الشريعة خاصة يوم السبت. أوضح لهم أنه هو الابن الوحيد الجنس واهب البنوة الحقيقية، وأنه هو رب السبت؛ أما هم فليسوا أبناء إبراهيم بل أبناء إبليس بسبب جحودهم ورغبتهم في قتله، وأنهم ليسوا حافظي السبت بل موسى نفسه يشكوهم (45:5).

    11. حث السيد المسيح اليهود على قراءة العهد القديم، ليُدركوا أنها تشهد له، إذ يقول: "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية، وهي تشهد لي، ولا تريدون أن تأتوا إلىّ لتكون لكم حياة" (39:5، 40). لقد أكد لهم أن من يُصدق موسى يُصدقه هو، لأن موسى كتب عنه (46:5)، وهو بهذا يعني بوضوح الاستمرارية بين العهدين.

    12. في وضوح أظهر هذا الإنجيل أن ما تحقق بالسيد المسيح من أحداث تمس خلاصنا سبق فأنبأ عنها أنبياء العهد القديم، مثل:

    v دخول السيد المسيح أورشليم منتصرًا (14:12).

    v جحْد اليهود له (38:12، 40).

    v عدم كسر ساقيّ السيد (36:19).

    v رؤية إبراهيم يومه وتهليله (56:Cool.

    v رؤية إشعياء لمجده (41:12).

    v نبوة إشعياء عن يوحنا السابق (23:1).

    يقول Guthrie: [إن استخدام ربنا للعهد القديم وتعليقات الإنجيل تفترض أن الكتاب المقدس كله يشير إلى المسيح، فهو متمم للقديم؛ الحقيقة التي نسترشد بها في تفسيرنا مفاهيم الإنجيل.]

    إنجيل يوحنا والغنوسية

    مجرد نظرة سريعة على إنجيل يوحنا تكشف لنا عن سمة مختلفة تمامًا عن بقية الأناجيل. وإن كان قد قدم حياة السيد المسيح في فلسطين، وأوضح أن فيه قد تحققت نبوات العهد القديم، لكن إلى وقت قريب كان النقاد المحدثون يحسبون أن شخصية السيد المسيح كما عرضها هذا الإنجيل أقرب إلى الجو الهيليني الغنوسي منه إلى مسيح الأناجيل الأخرى. وإن كانت هذه النظرة قد تغيرت تمامًا لدى كثير من الدارسين كما سنرى.

    ظن بعض النقاد أن الغنوسية التي تشدد على المعرفة الباطنية كطريق للخلاص لها تأثيرها على كاتب السفر. غير أن الغنوسية ظهرت في القرن الثاني الميلادي، بينما سُجل السفر في نهاية القرن الأول. قد يعترض البعض بأن جذور الغنوسية بدأت في الوثنية واليهودية مبكرًا جدًا، وقبلها بعض المسيحيين بطريق أو آخر منذ القرن الأول.

    على أي الأحوال جاء الإنجيل يحارب الأفكار الغنوسية التي تنكر حقيقة بشرية المسيح وآلامه. ففي يو34:19 طعنه أحد الجنود بحربة في جنبه فخرج للحال دم وماء. أية واقعية لبشريته مثل هذه الواقعة؟ كما قال أيضًا: "الكلمة صار جسدًا" (يو14:1). وفي رسالتيه الأولى (2:4-3) والثانية (ع7) أن من لا يعترفون بيسوع الذي جاء في الجسد فهم مضلّون وليسوا من اللَّه.

    يدعي بعض الدارسين أننا لا نجد في هذا السفر مسيح الأناجيل الأخرى حيث الأمثال والتعاليم السلوكية البسيطة، إنما نجد رموزًا وتعاريف معينة: مثل أنا هو الخبز، أنا هو النور، الباب، الراعي، الحق، الحياة، الطريق، الكرمة، كما نجد أسماء مثل "اللوغوس"، "الحق"، "المعرفة". مع استخدام الثنائية مثل: النور والظلمة، الحق والباطل، الروح والجسد... هذا كله دفع الدارسين للقول بأن السيد المسيح في هذا الإنجيل كأنما يسير في العالم الهيليني في القرن الثاني، أو أن الكاتب يحمل فكرًا غنوسيُا.

    حقًا إن يسوع بحسب إنجيل يوحنا يُقدم نفسه بالعبارة الخشوعية القدسية المتكررة: "أنا هو". جاء إلى عالم ظلمة يكره النور، ودخل عالم الباطل بكونه الحق، وعالم الكراهية والبغضة بكونه الحب؛ بحضرته ميّز البشرية إلى فريقين: فريق يقبل النور وآخر يهرب من النور، الأول يؤمن بالحق والآخر يرفضه. لكن هذا الفكر يختلف عن الثنائية الغنوسية، إذ لم يُقدم إنجيل يوحنا فكرًا خاصًا بأصل النور وأصل الظلمة، وهذا ما كان يشغل بال الغنوسيين.

    كان يمكن لهذه الدراسات أن تبقى عقبة تشكك بعض البسطاء في قانونية هذا السفر، ونسبه للقديس يوحنا الإنجيلي، لكن اللَّه أراد أن يحوّل هذه الدراسات إلى تثبيت المؤمنين بالأكثر خلال اكتشافين هامين في حوالي سنة 1947.

    أولاً: ظهور مخطوطات البحر الميت، والتي تُسمى مخطوطات قمران التي قدمت للعالم مكتبة عن الجماعة الأسينية كشفت عن حقبة زمنية من حوالي سنة 140ق.م إلى 68م. هذه المستندات أظهرت أن الأفكار والتعبيرات التي وردت في إنجيل يوحنا هي فلسطينية ترجع إلى القرن الأول الميلادي.

    ثانيًا: اكتشاف مكتبة كاملة غنوسية في منطقة نجع حمّادي بصعيد مصر، قدم للعالم الغنوسية من مصادرها الرئيسية لأول مرة، بعد أن كنا نتعرف عليها خلال كتابات الآباء المقاومين لها، ونسمع عن أسماء كتبها دون وجود نصوصها كاملة. هذا الاكتشاف عرّفنا الفارق الشاسع بين عالم الغنوسية وإنجيل يوحنا، والتمييز القاطع بينهما، إذ لم يعد هناك بعد أي شك بأن الإنجيل اعتمد على مصادر غنوسية، بل ظهر أن ما جاء في السفر من كلمات غنوسية هي يهودية فلسطينية بحتة اُستخدمت في القرن الأول.

    قام بعض الدارسين مثل Quispel وBarret وBraun بدراسات مقارنة بين إنجيل يوحنا والمخطوطات الغنوسية التي وُجدت في نجع حمّادي مثل "إنجيل الحق" (يرجع لسنة 140م)، "إنجيل توما"، من جهة الأفكار والتعبيرات، فخرجوا بالنتائج التالية:

    أنه يستحيل وضع إنجيل يوحنا وسط الأعمال الغنوسية التي وُجدت بنجع حمّادي، لكن يمكن القول بأن الأعمال الغنوسية استخدمت إنجيل يوحنا في القرن الثاني وقدمت أفكارًا غير ما وردت بالإنجيل.

    هناك تمايز قوي بين الإنجيل وهذه الأعمال من جهة الأفكار ومن جهة التعبيرات.

    توجد بعض تعبيرات مشتركة بين الإنجيل وهذه الأعمال، لكن الإنجيل قدمها بمفهومٍ معين والأعمال الغنوسية قدمتها بمفاهيم أخرى وباستعمالات مختلفة تمامًا.

    4 هذا بالنسبة للعلاقة بين إنجيل يوحنا وبين الأعمال الغنوسية المسيحية (الهرطوقية). لكن ربما نتساءل: هل يمكن أن يكون هذا الإنجيل قد فتح الباب للغنوسية؟ أو أعدّ الطريق لها؟

    v يرى بعض الدارسين أن الغنوسيين يمكن أن يكونوا قد تأثروا باليهودية خلال إساءة فهم بعض نصوص العهد القديم وليس إنجيل يوحنا، فإن كان إنجيل يوحنا قد ميّز بين النور والظلمة لكنه لم يُقدم فكرًا خاصًا بأصل النور وأصل الظلمة.

    v ركّز إنجيل يوحنا على "الإيمان"، وحسب "المعرفة" هبة إلهية تُقدم خلال الإعلان الإلهي، الأمر الذي يتنافى مع الفكر الغنوسي.

    إنجيل يوحنا والهيلينيّة

    أُتهم القديس يوحنا - أو كاتب السفر - أنه قام بتقديم مسحة هيلينية للمسيحية حتى يمكن للعقل الهيليني أن يتقبلها، مقدمين في ذلك دليلاً وهو استخدامه لتعبير "الكلمة" أو "اللوغوس" نقلاً عن الفلسفة اليونانية.

    يُرد على ذلك بأن القديس يوحنا لم يستخدم هذا التعبير كما جاء في الفلسفات اليونانية أو في الغنوسية أو كما جاء عند فيلون (مفكر يهودي إسكندري قدم الفكر اليهودي بطريقة هيلينية رمزية)، وإنما حمل مفهومًا كتابيًا، على ضوء ما جاء في العهد القديم عن "الحكمة" التي خرجت إلى البشرية لتقيمهم مسكنًا إلهيًا، كما يقول سفر الأمثال:

    "الحكمة تنادي في الخارج، في الشوارع تُعطي صوتها"؛

    "الحكمة بنت بيتها، نحتت أعمدتها السبعة" (1:9).

    "اللوغوس" في الفكر الهيليني يمثل العقل المدبّر الكامن في الكون، وهو أول الخليقة، أما القديس يوحنا فيحدثنا عن "اللوغوس" بكونه نطق اللَّه الذاتي، فهو الابن الوحيد، من ذات الآب وفي ذاته، وليس خارجًا عنه، بل هو واحد معه في الجوهر. لا نجد في الفكر الهيليني كلمة اللَّه متجسدًا يحلّ بين البشر الذي يعلن لهم أسراره الإلهية، هذا تمايز بين "الكلمة" في الفكر الهيليني و"الكلمة" في الإنجيل.

    إذا دققنا في "اللوغوس" كما أعلنه القديس يوحنا في إنجيله نجده مرادفًا للحكمة كما جاء في العهد القديم:

    ا. أزلي (أم 22:8؛ ابن سيراخ 9:24؛ حك 5:9) (راجع يو1:1).

    ب. قائم في السموات، ينزل إلى الأرض، ليسكن وسط إسرائيل (أم 31:8؛ باروخ 37:3؛ ابن سيراخ8:14 ) (يو 14:1؛ 41:3؛ 38:6؛ 28:16).

    ج. فيض مجد القدير (حك 25:7) (يو 14:1؛ 15:8؛ 4:11؛ 5:17).

    د. يعلم الناس الإلهيات (حك 16:9)، وما يُرضي اللَّه (حك 4:Cool، ويقودهم إلى الحياة (أم 25:8، ابن سيراخ 12:4) (يو 19:3؛ 40:7؛ 19:14).

    ه. ينطق بصيغة المتكلم "أنا" (أم 8، ابن سيراخ 24).

    ز. ينادي الإنسان ويخرج إليه (أم 1:8 ، حك 16:6) (يو 14:5؛ 35:9). ويدعو تلاميذه "أبنائي" (أم 32:8؛ ابن سيراخ 18:6) (يو 33:13).

    إنجيل يوحنا والسيد المسيح

    للأسف انهمك كثير من النُقاد المحدثين في الكشف عن مدى ارتباط هذا السفر بالفكر الهيليني واللغة والثقافة الهيلينية، حتى ظن البعض أن الكاتب لا يمكن أن يكون يهوديًا. غير أن دراسة هذا السفر في علاقته بالسيد المسيح تكشف عن الإنجيلي وقد انشغل بالكشف عن شخص ربنا يسوع المسيح:

    أولاً: بكونه ملك اليهود، الملك الروحي، المسيَّأ الذي ترقبه الأنبياء وانشغل به العهد القديم.

    "يا معلم أنت ابن اللَّه، أنت ملك إسرائيل" (49:1)؛

    "مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل" (13:12)؛

    "قال له: أنت ملك اليهود… أفأنت ملك؟ فأجـاب يسوع: أنت تقول إني ملك" (33:18-37)؛

    "كل من يجعل نفسه ملكًا يُقاوم قيصر" (12:19)؛

    "أأصلب ملككم؟!" (15:19)؛

    "كان مكتوبًا: يسوع الناصري ملك اليهود" (19:19).

    ثانيًا: جاء السفر يؤكد أن يسوع هو المسيّا 21 مرة، بينما في إنجيل متى 19 مرة؛ فما نطق به السيد وما فعله إنما يحقق الرجاء المسياني لشعب اللَّه:

    v جاء يُطهّر هيكله بأورشليم (13:2-22)؛

    v هو ذاك "الذي كتب عنه موسى والأنبياء" (45:1؛ تث 18:18)؛

    v الذي تحقق فيه قول إشعياء (5:35،6) حيث فتح أعين العميان (6:9)، وجعل الصُم يسمعون والعرج يمشون الخ.

    v واهب الحرية (36:8؛ إش 1:61)؛

    v النور الحقيقي الذي يُشرق على الجالسين في الظلمة (5:1، 9؛ 12:8؛ 46:12؛ إش 1:9؛ 1:60)؛

    v ينبوع الحياة الحيّة يُعطى لارتواء شعبه (37:7 الخ؛ ص4، خر 1:17-7؛ إش 1:55؛ 11:58).

    v الملك الراعي الذي يفتقد شعبه بنفسه (ص 10؛ حز 34)؛

    v ديّان الأحياء والأموات، وهو لقب يهودي خاص باللَّه (يو 11)؛

    v السِفر في مجمله يكاد يردد ما قالته المرأة السامرية: "أنا أعلم أن مسيّا الذي يُقال له المسيح يأتي... ألعل هذا هو المسيح؟!" (25:4، 29).

    ثالثًا: اتسم هذا السِفر بدعوة السيد المسيح نفسه: "أنا هو"، أو تقديم ذاته للبشرية. فإن "أنا هو" في العهد القديم تُشير إلى اللَّه الواحد العامل المخلص (خر 14:3؛ 2:10؛ إش 8:42؛ 10:43-11؛ حز 7:6) لذا جاءت كلمات السيد المتكررة في هذا السفر "أنا هو" تُعلن شخصه الإلهي كمصدر الخلاص:

    "أنا هو خبز الحياة" (35:6)؛

    "أنا هو نور العالم" (12:8؛ 5:9)؛

    "أنا هو الشاهد لنفسي" (18:Cool؛

    "أنا باب الخراف" (7:10)؛

    "أنا هو الراعي الصالح" (11:10، 14)؛

    "أنا الكرمة الحقيقية" (1:15، 5)؛

    "إني ملك" (37:18).

    رابعًا: الخط الواضح في هذا الإنجيل منذ بدايته حتى نهايته هو تقديم السيد المسيح بكونه الملكوت بعينه، فلم يأتِ بذكر الملكوت إلا مرتين (3:3-5؛ 36:18) لكنه يُعلن عنه خلال تمتعنا بالمسيح نفسه ملكوتنا الأبدي.

    "كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية" (40:6)؛

    "ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" (6:14)؛

    "الذي رآني فقد رأى الآب" (9:14 الخ.)

    هذا الخط الواضح في كل السفر قدمته الأناجيل الأخرى كنتيجة نهائية ظهرت في أواخر أيام السيد المسيح على الأرض.

    خامسًا: لم يُقدم السيد المسيح كمشرّع لوصايا أو طقوس قدر ما قدم شخصه كسرّ حياة. السيد المسيح هو "الحياة" (6:14؛ 4:1)؛ يُعلن لقطيعه سرّ مجيئه: "أما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل" (10:10)، "إني أنا حيّ، فأنتم ستحيون" (19:14). وقد أكّد لمرثا: "أنا هو القيامة والحياة" (25:11)، جاء ليغرسنا فيه كأغصان في الكرمة، فنحمل حياته فينا (1:15-Cool.

    يتحقق تمتعنا بالسيد المسيح "الحياة" خلال التغيير الكامل لطبيعتنا في سرّ المعمودية (3:3-Cool، واتحادنا معه وثبوتنا فيه في سرّ الأفخارستيا (52:6-58)، ونوالنا المغفرة المستمرة في سرّ التوبة (23:20). هذه جميعها تحققت بقوة الصليب واستحقاقات الدم.

    سادسًا: مع كل اصحاح يقدم لنا القديس يوحنا شخص يسوع المسيح من زاوية معينة تمس خلاصنا وتشبع كل احتياجاتنا.

    v من إنجيل يوحنا نتفهم ربنا يسوع المسيح من جهة لاهوته خالق كل الخليقة؛ ومن جهة ناسوته لأجل إصلاح الخليقة الساقطة.

    القديس أغسطينوس

    من هو يسوع؟

    يو 1: الكلمة الإلهي المتجسد، واهب سلطان البنوة لله.

    يو2: ابن الإنسان صاحب السلطان الإلهي، مفرح النفوس ومجددها.

    يو3: المعلم الإلهي القدير، واهب الميلاد الجديد.

    يو4: رابح النفوس العجيب.

    يو5: الطبيب العظيم.

    يو6: خبز الحياة.

    يو7: ماء الحياة.

    يو8: نور العالم.

    يو9: واهب الاستنارة.

    يو10: الراعي الصالح.

    يو11: واهب الحياة والقيامة.

    يو12: ملك إسرائيل.

    يو13: غاسل الأرجل.

    يو14: المعزي السماوي.

    يو15: الكرمة الحقيقية.

    يو16: مُرسل الروح القدس.

    يو17: رئيس الكهنة العظيم.

    يو18: المسيا المتألم.

    يو19: الملك المرفوض.

    يو20: غالب الموت.

    يو 21: مقيم النفوس الساقطة ورافعها إلى السماء.

    v لا تظن (في فهمك لأسرار الثالوث) أنك تفعل شيئًا فوق طاقة الإنسان. فإن الإنجيلي يوحنا نفسه فعل ذلك.

    لقد حلق فيما وراء الجسد، وراء الأرض التي وطأ عليها، وراء البحار التي تطلع إليها، وراء الهواء الذي تطير فيه الطيور، وراء الشمس والقمر والكواكب، وراء كل الأرواح غير المنظورة، وراء ذهنه، وذلك بذات نفسه العاقلة، بسموه فوق كل هذه سكب نفسه عاليًا أينما وجد.

    القديس أغسطينوس



    إنجيل يوحنا والآب

    إن كان السيد المسيح هو مركز هذا السفر، فقد أكّد الإنجيلي أنه هو كلمة اللَّه الأزلي. جاء إلينا يُعلن لنا عن ذاته ليُمارس العمل المسياني لحسابنا، مقدمًا لنا الخلاص (47:20)، واهبًا إيّانا الحياة (10:10)، بكونه من فوق وفوق الكل (3:3). لكن الإنجيلي أكّد دور الآب حتى لا نسقط فيما سقط فيه الغنوسيون، فالابن الواحد مع أبيه بكونه كلمته وابنه في نفس الوقت قد أرسله الآب (36:5؛ 57:6؛ 42:11؛ 21:20). جاء يُعلن كلماته (34:3؛ 29:6؛ 3:17)، ويمارس أعماله (36:10). من يراه يرى الآب، ومن يؤمن به ينظر الآب (23:5 الخ؛ 44:12 الخ، 9:14).

    إن كان هذا السفر هو إنجيل المسيّا كلمة اللَّه المخلص، فهو واحد مع أبيه يتمم إرادة الآب التي هي واحدة مع إرادته. هذا ما سنلاحظه بأكثر توسع خلال دراستنا للسفر.

    v يوحنا مثل نسر يحلق عاليًا ويبلغ إلى الآب نفسه ويقول: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند اللَّه، وكان الكلمة اللَّه" (1)... شرح الكاتب البتول أسرارًا لم يستطع المتزوجون أن يقوموا بها.

    القديس جيروم

    إنجيل يوحنا والروح القدس

    يسمى البعض هذا السفر: "إنجيل الروح القدس"، فقد جاء الحديث عن الروح القدس خلال السفر واضحًا وبقوة.

    في حوار السيد المسيح مع نيقوديموس تحدث السيد عن دور الروح القدس في الولادة الجديدة (ص 3). لقد أوضح الرب الفارق بين الولادة الطبيعية (الجسدية) والولادة الروحية، وكان يصعب حتى على هذا المعلم اليهودي نيقوديموس أن يتفهم عمل الروح القدس، فقدم له السيد مثلاً ملموسًا مشبهًا الروح بالريح التي "تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب، هكذا كل من وُلد من الروح" (8:3).

    حديث السيد هنا عن الميلاد بالروح القدس يعتبر أحد معالم إنجيل يوحنا الرئيسية. وقد جاء منسجمًا مع السفر ككل، فإننا لن ندرك لاهوت السيد المسيح بدون الروح القدس، ولا أن نمارس العبادة للَّه بالروح والحق (24:4) من عندياتنا، وإنما بروح الرب الساكن فينا.

    لقد رأى السيد المسيح الجماهير تمارس العيد بطقوسه دون الشبع الروحي الداخلي، لذا وقف في اليوم الأخير من العيد يَعد بتقديم روحه القدوس كمياه حيّة تنفجر في داخل المؤمنين (37:7-39).

    وفي حديثه الوداعي (ص14-17) لم يجد السيد المسيح ما يقدمه لتعزية تلاميذه قبيل تسليمه سوى الوعد بالروح القدس، بكونه الباراقليط المعزي الذي سلمه السيد المسيح لكنيسته، ليعمل فيها ويُشكّلها على الدوام، فتصير على مثال عريسها:

    v بكونه المحامي Advocate [الترجمة الحرفية للكلمة اليونانية: باراقليط]، هو روح الحق الذي يشهد للسيد المسيح، لا بالكلام النظري، وإنما بكونه يُشكِّل طبيعتنا على صورة السيد المسيح ومثاله.

    v هو المتحدث في غياب رب المجد يسوع جسديًا (بصعوده إلى السماء)؛ يعلّم التلاميذ ويقودهم ويرشدهم إلى كل الحق ويشهد خلالهم (26:14؛ 13:16 الخ).

    v هو المعزّي (6:16 الخ.) وسط حملنا صليب رب المجد يسوع.

    إنجيل يوحنا والكنيسة

    يرى كثير من الدارسين أن الأناجيل المقدسة السابقة قُدمت للعالم، سواء اليهودي أو الروماني أو اليوناني، ليتعرف على السيد المسيح بكونه الملك الروحي والخادم الحقيقي والصديق الفريد لكل البشر، فيتقبل الكل الإيمان به، وينعمون بعمله الخلاصي، فيرتفعون من العبودية إلى البنوة للَّه. أما إنجيل يوحنا فكُتب في النهاية للكنيسة، لذا دُعي "إنجيل الكنيسة"، يقدم لنا "مسيح الكنيسة"، بالرغم من عدم استخدامه لتعبير "الكنيسة".

    كأن الفكرة اللاهوتية الرئيسية هنا هي الربط بين السيد المسيح التاريخي كما ظهر في حياته على الأرض، وبين مسيح الكنيسة الحال فيها ليعمل فيها. بمعنى آخر، إن كان السيد المسيح "كلمة اللَّه المتجسد" هو مركز الإنجيل، فإن كنيسته بكرازتها وعبادتها خاصة الأسرار الكنسية تحتل مركزًا رئيسيًا فيه، إذ يحدثنا عن:

    1. إرساليتها (يو31:4 الخ؛ 20:12 الخ).

    2. عبادتها "بالروح والحق"، حيث أُنتزع المجد عن هيكل أورشليم ليُعلن خلال كنيسة المسيح المصلوب القائم من الأموات (14:1، 51؛ 13:2 الخ؛ 19:4 الخ).

    3. من جهة أسرار الكنيسة، نجد القديس يوحنا يعطي أهمية خاصة بالحديث عن الأسرار الكنسية مثل المعمودية والأفخارستيا والكهنوت:

    قدم معمودية يوحنا كشهادة للمسيح (8:1) وطريق تمهيدي لمعمودية المسيح بالروح القدس (15:1، 23:25).

    في عرس قانا الجليل (1:2-12)، كان تحويل ماء التطهير اليهودي إلى خمر علامة مسيانية أن ساعته قد جاءت (4:2)، وربما يشير إلى الإفخارستيا.

    تحدث مع نيقوديموس صراحة عن سرّ المعمودية (1:3-7).

    قدم لنا الإنجيلي في صراحة حديثه عن الافخارستيا (22:6-59). وفي إشباع الجماهير (1:6-13) نرى السيد المسيح مشبع مؤمنيه خلال سرَّ الإفخارستيا في كنيسته.

    ربما أعلن عن سرّ العماد خلال شفاء مفلوج بيت حسدا (1:5-14) حيث تُشفى الطبيعة البشرية، وخلال تفتيح عيني المولود أعمى (1:9-7) بغسله في بركة سلوام التي تعني المُرسل.

    نزول الدم والماء من جنب السيد المسيح المصلوب (34:19) يشير إلى وحدة السرّين، أي المعمودية والأفخارستيا، وتكاملهما.

    تحدث عن سرّ الكهنوت (20: 22-23).

    8 4. في الأناجيل السابقة تُقسَّم البشرية إلى صالحين وأشرار، أما هنا فيكتب عن "مسيح الكنيسة"، مميزًا بين مؤمنين وغير مؤمنين. بالإيمان لا نُدان (18:3)، بل ننال الحياة الأبدية (36:3)، وننتقل من الموت إلى الحيـاة، لكنه ليس الإيمان النظري المجرد (34:13، 35)، بل الإيمان الحي المرتبط بالحب وحفظ وصايا الرب (14:21-24).

    5. الوعد بالروح القدس في حديث السيد المسيح الوداعي، بكونه معزي الكنيسة وشفيعها والقائد لها (ص14-17).

    6. قدم المسيح نفسه تكرارًا "أنا هو"، بكونه موضوع حياة ومجد ورجاء في الحياة العتيدة، كما في حياة كنيسته الحاضرة.

    إنجيل يوحنا وجامعية الكنيسة

    إذ كُتب هذا السفر للكنيسة في العالم كله، حمل فكر "الكنيسة الجامعة"، ولم يحدّها بجماعة اليهود. يظهر هذا الفكر واضحًا خلال السفر كله، إذ نجد على سبيل المثال:

    1. يقدم المسيح بكونه:

    "حمل اللَّه الذي يرفع خطية العالم" (29:1).

    "كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا إلى العالم" (9:1).

    "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد اللَّه، أي المؤمنون باسمه" (12:1).

    "هكذا أحب اللَّه العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (16:3).

    "وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليّ الجميع" (32:12).

    "أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة، وليس عن الأمة فقط، بل ليجمع أبناء اللَّه المتفرقين إلى واحد" (51:11، 52).

    "لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني: أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (40:6).

    "لي خراف أخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن آتي بتلك أيضًا، فتسمع صوتي، وتكون رعيّة واحدة وراعٍ واحدٍ" (16:10).

    "لست أسأل من أجل هؤلاء فقط، بل أيضًا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم، ليكون الجميع واحدًا" (20:17، 21).

    "طوبى للذين آمنوا ولم يروا" (19:20).

    2. ظهرت جامعية الكنيسة من رفض اليهودية، وطن المسيح، لمخلصها، ورغبتها في قتله (3:4، 44، 1:7-8؛ 7:11-16). لقد صارت أورشليم عاصمة إسرائيل ومدينة المسيّا (12:12-19)، مدينة عدم سلام (19:1 الخ، 23:5). الرب يرفض هيكلها (59:Cool، وينطلق من أسوارها إلى الجلجثة (17:19).

    3. عوض "هيكل أورشليم" بيت أبيه (16:2) المجيد (14:12)، والذي يأتي منه الخلاص (22:4)، يعلن مجد هيكل جسده (23:2 الخ) المقدم سرّ قيامة لكل البشرية.

    4. تحول المدينة الهرطوقية "السامرة" إلى موضع للعبادة بالروح والحق (4: 23 الخ).

    5. الحقول المبيضة للحصاد تشير إلى الحصاد المقبل، رمز العالم غير اليهودي.

    6. إذ يكتب الإنجيلي للكل حتى غير اليهود يقدم تفسيرًا للكلمات: Rabbi 38:1، مسيا (41:1)، قيافا (42:1). كما يوضح طرق اليهود في التطهير (6:2)، وفي الدفن (40:9)، وعلاقتهم بالسامريين (9:4)، والفصح كعيدٍ يهودي (4:6). نجده أيضًا يقدم شرحًا جغرافيًا لبيت حسدا (2:5) وبلاط بيلاطس بنطس الذي يدعى بالعبرانية جباثا (13:19)... هذا كله يكشف أنه يكتب للناطقين باليونانية في أفسس سواء كانوا من أصل يهودي أو أممي، مؤمنًا بالكنيسة الجامعة التي لا تحد بالشعب اليهودي.

    إنجيل يوحنا والحياة الإنقضائية (الأخروية)

    بينما توجه الأناجيل الإزائية إلى ملكوت الله الذي يتحقق بالأكثر في الأيام الأخيرة حيث مجيء المسيح الثاني القريب، إذا بالإنجيلي يوحنا يؤكد أن المؤمن يدخل إلى الحياة الأبدية خلال حياته اليومية.

    لم يصف لنا هذا الإنجيل انقضاء الدهر ونهاية العالم، أو مجيء السيد المسيح الأخير للدينونة، لكنه كشف عن الحياة الإنقضائية خلال العمل الخلاصي الذي نتمتع به بالصليب، فنتذوق الحياة الأبدية خلال عربونها هنا، ونختبر أمجادها كحياة تمارس هنا:

    إعلانه عن مجد المسيح (1: 14؛ 2: 11؛ 11: 4، 40)، إنما يدخل بالكنيسة إلى تذوق عربون الحياة الأبدية التي فيها نرى السيد في كمال مجده ونتعرف على أسراره.

    الخلاص في حقيقته هو ارتفاع فوق الزمن، وغلبة على الموت، خلال الإيمان العامل، إذ يقول: "الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية، ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة" (24:5).

    تتحقق الحياة الإنقضائية بالنسبة لنا خلال ما نلمسه من الآتي:

    أ - أن رئيس هذا العالم قد دين (18:3، 19).

    ب- أن رئيس هذا العالم يطرح خارجًا (31:12؛ 33:16).

    يعلن الإنجيلي أن ملء الزمان قد جاء والتاريخ قد تم خلال موت السيد المسيح على الصليب.

    6 من يتذوق "إنجيل يوحنا" يجد نفسه قد ارتفع إلى الحياة الإنقضائية فعلاً - خلال عربونها - فيشاهد في أعماقه المسيح الممجد، ويختبر الغلبة الحقيقية على الموت كما على محبة هذا العالم، وعلى عدو الخير إبليس الذي تسلط على العالم زمانًا، والآن قُيّد وطرح خارجًا، ليس له موضع في داخلنا. صليب ربنا يسوع المسيح دخل بنا إلى هذه الخبرة السماوية الحية.

    v ألا ترون أنه ليس بدون سبب يتحدث هذا الإنجيلي إلينا من السماء؟ انظروا كيف أنه منذ البادية يسحب نفوسنا ويهبها أجنحة ويصعد بأذهان سامعيه معه. إذ يصعد بها إلى ما هو أعلي من كل المحسوسات، أعلي من الأرض والسماء، ويمسك بيدها ويقودها فوق الملائكة أنفسهم، فوق الشاروبيم والسيرافيم، فوق العروش والرؤساء والسلاطين؛ وفي اختصار يقودها إلى رحلة تعبر فوق كل المخلوقات.

    القديس يوحنا الذهبي الفم

    ظنC.H. Dodd أن يوحنا أراد تصحيح مفهوم النظرة الكنسية الاسخاتولوجية (الإنقضائية)، فقدم "إسخاتولوجي محقق realized eschatology "، بمعنى أن الاسخاتولوجي هو حقيقة حاضرة أكثر منه مجرد رجاء مستقبلي. لكن الدارسين رفضوا هذا كغاية رئيسية للإنجيل، خاصة وأن السفر مع تقديمه للحياة الأخروية كحياة تُختبر في الحاضر خلال عربونها لم يتجاهل الحياة الأبدية الأخروية المستقبلية (25:5-29)، إنما يسير الاتجاهان جنبًا إلى جنب.

    إنجيل يوحنا والآيات

    نجد في الأناجيل السابقة فيضًا من الآيات التي صنعها السيد المسيح، خلالها يعلن حنانه الإلهي ومحبته الفائقة للبشر، والرسول هنا بالرغم من معرفته لآياتٍ كثيرة صنعها رب المجد لكنه انتقى منها سبع آيات (والبعض يعتبرها ثمان آيات) ليعرضها في إنجيله، فنتقبل الإيمان بالسيد المسيح. إذ يقول: "وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب، وأما هذه فقد كُتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن اللَّه، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياه باسمه" (30:20، 31). "وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع إن كُتبت واحدة واحدة، فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة" (25:21).

    واضح إذن أن السيد قدم آيات ليدخل بنا إلى الإيمان، فننعم بالحياة الأبدية، الأمر الذي لمسه نيقوديموس، فقال: "ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن اللَّه معه" (2:3). كما أكد السيد المسيح نفسه: "لا تؤمنون إن لم تروا آيات وعجائب" (48:4). فقد أشهد هذه الآيات ضد الجاحدين، قائلاً: "لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالاً لم يعملها أحد غيري لم تكن لهم خطية" (24:15).

    لقد أدرك رؤساء الكهنة والفريسيون دور هذه الآيات في حياة الناس، إذ قالوا: "ماذا نصنع، فإن هذه الإنسان يعمل آيات كثيرة، إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به؟!" (47:11، 48).



    المعنى
    المعجزة

    تجديد الطبيعة البشرية واتسامها بالفرح الأبدي.
    1- تحويل الماء خمرًا 1:2-11.

    الإيمان شرط الحياة الأبدية.
    2- شفاء ابن الغني 47:4-54.

    قوة الحياة الجديدة.
    3- شفاء مفلوج بيت حسدا 1:5-9.

    المسيح الخبز الحي.
    4- إشباع الجموع 14:6-1 (مـت 13:14-21؛ مر 32:6-44؛ لو 10:9-17).

    المسيح قائدنا في الطريق الملوكي.
    5- المشي على المياه 15:6-21 (مت 22:14-36، مر 45:6-56).

    المسيح نور الحياة.
    6- شفاء المولود أعمى 1:9-41.

    المسيح قيامتنا غالب الموت.
    7- إقامة لعازر 1:11-44.

    الشركة الكاملة في الحياة الجديدة.
    8- صيد السمك 1:21-14.



    قانونية السفر

    قبلت الكنيسة الجامعة هذا الإنجيل سفرًا قانونيًا منذ البداية ولم يلحق ذلك أدنى شك. فقد جاءت الشهادات الكنسية، حتى من الهراطقة والوثنيين تنسب السفر للقديس يوحنا الرسول، منذ بدء القرن الثاني، أي بعد كتابته بفترة وجيزة، ولم يشذ عن ذلك سوى جماعة الألوجين "Algi" كما أشار القديس أبيفانيوس، الذين رفضوا السفر لتعارضه مع عقيدتهم في اللوغوس Logos. ولا يُعرف إن كان الألوجيون هؤلاء هم جماعة أم مجرد شخص، لكن على أي الأحوال لم يكن لهم صوت مسموع في العالم أو في الكنيسة.

    أولاً: شهادة الكنيسة الجامعة والهراطقة

    جاء إنجيل يوحنا ضمن المخطوطات اليونانية القديمة الخاصة بالعهد الجديد كالنسختين السينائية والفاتيكانية، المنسوختين عن أقدم منهما. كما جاءت المخطوطات الخاصة بالترجمة للعهد الجديد والتي ترجع أحيانًا للقرن الثاني أو الثالث مثل السريانية واللاتينية تضم هذا السفر. أما عن شهادة آباء الكنيسة الأولي، فلا نجد بينهم صوتًا يتشكك في قانونيته أو نسبته لغير القديس يوحنا، نذكر على سبيل المثال:

    v القديس إيرينيؤس أسقف ليون في القرن الثاني، بنى دفاعه ضد الغنوسيين على إنجيل يوحنا، وشهد أن الأناجيل القانونية أربعة، كما شهد أن القديس يوحنا قام بنشره في أفسس.

    v اقتطف بعض الآباء عبارات مباشرة من هذا السفر، أو استخدموها دون ذكر النص، كما جاء في رسالة برناباس، كتاب الراعي لهرماس، وفي بابياس، واكليمنضس الروماني، والقديس يوستين الشهيد، وثاوفيلس الأنطاكي، والقديس أغناطيوس الأنطاكي، والقديس بوليكربس، والعلامة ترتليان، والعلامة أوريجينوس، والقديس اكليمنضس الإسكندري.

    v جاءت شهادة وثيقة موراتورى Muratorian Canon في القرن الثاني (حوالي 170 - 200 م) عن كاتب السفر أنه القديس يوحنا، لها قوتها.

    v اقتبس تاتيان تلميذ القديس يوستين الكثير من هذا السفر، وبدأ عمله "الدياتسرون Diatessaron" بافتتاحية إنجيل يوحنا.

    v اقتبس منه الكثير من الهراطقة مثل هيراكليون ومعلمه فالنتينوس وباسيليدس (سنة 125 م)، وأيضًا الكتابات الغنوسية مثل إنجيل الحق.

    ثانيًا: شهادة الوثنيين

    استمد الفيلسوف الوثني صلسس، عدو المسيحية، في كتابه ضدها حوالي سنة 178م المادة التي هاجم بها من الأناجيل الأربعة، ويذكر تفاصيل لم ترد إلا في إنجيل يوحنا.

    اعتراضات على نسبته للقديس يوحنا

    ناقش كثير من النقاد والدارسين موضوع نسبة هذا السفر للقديس يوحنا بن زبدي، وقدموا نظريات كثيرة ومعقدة، إذ حاول البعض نسبة هذا السفر للكنيسة الرسولية ككل وليس لشخصٍ معينٍ، وافترض البعض أن السفر بصورته هذه من وضع كاتب في القرن الثاني كما لاحظنا في تعليقنا على مدى ارتباط السفر بالغنوسية، وحاول البعض تأكيد أن الكاتب ليس يهوديًا. وقد قدم لنا E. Haenchen ملخصًا للمشاكل النقدية الخاصة بهذا الأمر منذ عام 1929 حتى الخمسينات.

    فيما يلي موجز للرد على المعترضين على نسبة هذا السفر للقديس يوحنا:

    تلميحات في السفر عن شخصية كاتبه

    إن كان الإنجيلي لم يذكر اسمه في السفر، لكنه قدم تلميحات عن شخصيته منها يمكن التعرف عليه، ألا وهى:

    أ- انه شاهد عيان

    في مقدمة السفر يقول الإنجيلي: "رأينا مجده" (14:1). حاول البعض تفسير صيغة الجمع "رأينا" بمعنى أنه يقصد المسيحيين جميعًا، وليس الكاتب، فتكون الرؤيا هنا بالمعنى الروحي لا المادي، بهذا يكون كاتب السفر هو "الكنيسة الرسولية" وليس شاهد عيان. هذا الفكر لم يقبله كثير من الدارسين، خاصة وأن الفعل اليوناني يعني الرؤيا الجسدية لا الروحية، حتى وإن فسرت بالرؤيا الروحية. في أكثر من موضع يؤكد أنه شاهد عيان يكتب ما هو حق:

    "الذي عاين شهد وشهادته حق، وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم" (19: 35).

    "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا، ونعلم أن شهادته حق" (21:24).

    واضح أن كاتب السفر "تلميذ"، "شاهد عيان"، هذا ينطبق على القديس يوحنا، الذي حمل ذات اللهجة في مقدمة رسالته الأولى: "الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه، ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة، فإن الحياة أُظهرت، وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية…" (1 يو 1).

    ب. التلميذ المحبوب

    من الشهادات الداخلية في السفر أن الكاتب هو القديس يوحنا تلقيب نفسه في تواضعٍ، بعدم ذكر اسمه: "التلميذ الذي كان يسوع يحبه" (20:21، 26:19). حاول البعض النقاد المحدثين التشكيك في هذا الأمر، وقد اختلفوا في تحديد شخصية هذا التلميذ، إذ قيل:

    الشاب الغنى، الذي قيل عنه إن يسوع نظر إليه وأحبه (مر 21:10). وإذ ليس لدينا أية أدلة إنجيلية أو تقليدية أنه عاد وآمن بعد تركه للسيد المسيح، يُحسب هذا الرأي بلا قيمة.

    نثنائيل: يُرد على ذلك أننا لا نعرف عنه إلا القليل، هذا ومن جانب آخر حين تحدث عنه الإنجيلي ذكره بالاسم (2:21) في نفس الإصحاح الذي قيل فيه: "التلميذ الذي كان يسوع يحبه" (20:21). فما قيل أخيرًا قُصد به تمييزه عن نثنائيل.

    لعازر، إذ أرسلت أختاه إلى رب المجد تقولان: "يا سـيد هوذا الذي تحبه مريض" (3:11). يرد على ذلك بأن لعازر لم يكن مع السيد المسيح في العلية ليتكئ على صدره، إذ قيل: "ونظر التلميذ الذي كان يسوع يحبه يتبعه، وهو أيضًا الذي اتكأ على صدره وقت العشاء" (20:21). واضح من الأناجيل الثلاثة الأخرى أن السيد انفرد برسالة وقت العشاء. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الإنجيلي قد كرر اسمه في الإصحاحين 11، 12، فلماذا يعود ويخفي اسمه؟!

    رأى البعض أن هذا اللقب لا يعني شخصًا معينًا بل يحمل رمزًا، وبهذا يكون الكاتب للسفر هو الكنيسة كجماعة وليس فردًا. هذا الفكر غير مُشبِع ويصعب قبوله، وإذ يجعل من هذا التلميذ ليس شخصية تاريخية شاهدة عيان، الأمر الذي يتنافى مع ما قدمه السفر عنه.

    6 هذا عن الاعتراضات أما الدلائل الإيجابية على أن التلميذ الذي كان يسوع يحبه هو القديس يوحنا فهي:

    جاءت كتابات آباء الكنيسة منذ القرن الثاني تتحدث عن التلميذ الذي كان يسوع يحبه أنه يوحنا بن زبدي، كأمرٍ لا يحتاج إلى تساؤل، وأنه هو واضع السفر، وقد لاحظ M.F. Wiles أن العلامة أوريجينوس والقديس يوحنا الذهبي الفم وجدا في هذا الوصف: "التلميذ الذي كان يسوع يحبه" مفتاحًا للكشف عن غاية السفر.

    أنه أحد تلاميذ السيد المسيح كما يشهد السفر نفسه ملقبًا إياه "التلميذ" (20:21)، خاصة وأنه اتكأ على صدر السيد المسيح وقت العشاء (20:21).

    يرى بعض الدارسين أنه أحد ثلاثة من التلاميذ الذين كانوا من خاصة السيد، رافقوه دون البقية في مواقف كثيرة، ولما كان يعقوب قد استشهد في سنه 44 م، يبقى بطرس ويوحنا، وإذ قيل عنه أنه كان في رفقة بطرس (2:20 الخ.) إذن لن يكون إلا يوحنا.

    ذُكر القديس يوحنا بالاسم في الأناجيل الأخرى: مرتين في متى، 9 في مرقس، 6 في لوقا، ولم يذكر بالاسم قط في هذا السفر. واضح إذن أنه شخص يوحنا، وقد امتنع عن ذكر اسمه من قبيل التواضع.

    كان هذا التلميذ ملاصقًا للقديس بطرس كما جاء في (7:21؛ 2:20). المرة الوحيدة التي ظهر فيها في هذا السفر دون بطرس الرسول هي عندما تسّلم من السيد المسيح المصلوب والدته أمًا له (26:19)، فمن هو هذا التلميذ المرافق للقديس بطرس؟ بلا شك هو يوحنا بن زبدي، إذ وُجد معه ومع يعقوب دون سائر التلاميذ في مواضع كثيرة كما سبق فرأينا (راجع مر 37:5؛ 2:9؛ 33:14). اختارهما السيد المسيح ليعدا له الفصح (لو 8:22). وكانا ملازمين بعضهما البعض حتى بعد قيامة السيد المسيح (أع 1:3؛ 13:4). أُشير إليهما في أع 14:8 كمندوبين مُرسلين من أورشليم إلى السامرة. إذ أشار الرسول بولس إلى أعمدة الكنيسة ذكر يعقوب وصفا (بطرس) ويوحنا (غلا 9:2). هذه دلائل على أن التلميذ الذي كان يسوع يحبه، وكان مرافقًا للقديس بطرس هو القديس يوحنا.

    لاحظ بعض الدارسين أن هذا السفر حين تحدث عن القديس يوحنا المعمدان، اكتفى بذكر اسمه "يوحنا" دون ذكر أي لقب آخر له، وهذا يسند بقوة الفكر الكنسي بأن الكاتب هو القديس يوحنا بن زبدي، الذي أصرّ ألا يذكر اسمه في السفر فلم يجد حاجة ليميز بين نفسه وبين يوحنا المعمدان بلقبٍ معين.

    7 ج- الخلفية الفلسطينية

    يتساءل البعض، إن كان الكاتب يوحنا بن زبدي، فهل يحمل السفر دلائل على أن الكاتب يهودي عاش في فلسطين، وكان شاهد عيان للسيد المسيح، أم أنه أحد رجال القرن الثاني من أنطاكية أو الإسكندرية؟

    جاءت إجابة الدارسين أن السفر يحمل دلائل كثيرة وشهادات على أن كاتبه عاش في فلسطين في القرن الأول، وأنه يهودي، منها:

    معرفته للعادات والتقاليد اليهودية

    2 كثيرًا ما يقدم لنا تفاصيل دقيقة عن الحياة اليهودية وتقاليدها في فترة ما قبل خراب أورشليم، مثل:

    طقوس التطهير (6:2).

    طقوس عيد المظال (37:7؛ 12:8 (الإنارة)).

    التطهير في عيد الفصح (28:18؛ 31:19-42).

    تعاليم اليهود الخاصة بهم، كالشريعة الخاصة بالسبت (10:5؛ 21:7-23،14:9 الخ.).

    معرفته انتظار اليهود لنبي بروح إيليا (19:1-28)، وإدراكهم أن المسيح يبقى إلى الأبد (34:12).

    معرفته للتاريخ اليهودي

    3 يعرف بوجه الدقة السنوات التي تم فيها بناء الهيكل (20:2)، والعداوة التي كانت قائمة بين اليهود والسامريين (9:4)، وأن رئيس الكهنة عن نفس السنة التي صُلب فيها السيد (49:11،13:18 الخ) هو قيافا وحماه هو حنَّان.

    تابع التفسير فى جزء اخر

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 11:19 pm